قرصنة صهيو أمريكية تُسيطر على حقول غاز شرق المتوسط


حاتم البراوي

المتخصص في دراسات الوعي والحرب النفسية

تمهيد:

يعد غاز الشرق المتوسط أحد أهم مصادر الطاقة الطبيعية، فضلاً عما تتميز به خصائصه بكونه نظيف، وأخف من البترول، ويدخل في معظم الصناعات البلاستيكية، والألياف الصناعية، والمنتجات البتروكيماوية، إضافة لاستخداماته في المواصلات، والتدفئة، والتبريد، وتوليد الكهرباء، أما عن الكميات المكتشفة حالياً لحقول غاز شرق المتوسط فإنها تقدر بحوالي 122 إلى 354 تريليون قدم مكعب حسب تقرير هيئة المسح الجيولوجية الأمريكية التي أصدرته عام 2010م.

موقف الدول الأعضاء وإجراءاتها في تقنين حقول الغاز:

وجدت دول الأعضاء في الشرق المتوسط صعوبات معقدة في استثمار الثروة الغازية المكتشفة في حدود مناطقها الجغرافية، سواء في عملية التنقيب والاستخراج وفي عملية تحويل الغاز من صورته الغازية إلى السائلة حتى يسهل تصديره إلى الخارج بدلاً من إمداد شبكة خطوط أنابيب عبر الدول والقارات، حيث تُعد مصر والكيان الصهيوني من أقوى الدول المصدرة للغاز.

بتاريخ 22 سبتمبر عام 2019م اجتمعت الدول الأعضاء السبعة المؤسسة لمنتدى الشرق المتوسط، هي: (مصر، اليونان، قبرص، إيطاليا، الكيان الصهيوني، فلسطين، الأردن)؛ للتوقيع على ميثاق خاص بتحويل منتداهم إلى "منظمة حكومية دولية"، والاتفاق على ترسيم الحدود البحرية للدول الأعضاء؛ لتحفظ كل دولة حقوقها في الثروة الغازية والنفطية بمنطقتها

اعتمدت الدول الأعضاء قانون البحار الدولي في ترسيم حدودها البحرية والذي يبين الحدود البحرية لأي دولة ساحلية أولاً بما يُعرف بــ (حدود المياه الإقليمية) التي تبدأ من نقطة اليابسة باتجاه داخل البحر على امتداد 12 ميل بما يعادل 22 كيلو متر، وثانياً يما يُعرف بــ (المنطقة الاقتصادية الخالصة) التي تبدأ من نهاية حدود المياه الإقليمية باتجاه عمق آخر داخل البحر على امتداد 200 ميل بما يعادل 370 كيلومتر، ويحق للدولة الاستفادة من كل ما فيها من ثروات.

نبذة عن حقول الغاز المكتشفة لأبرز الدول الشرق أوسطية:

الكيان الصهيوني:

يُعد الكيان الصهيوني أول الدول المكتشفة لحقول الغاز أولها في عام 2000م حقل غاز "مارين" مقابل ساحل غزة، ثم عام 2009م حقل غاز "تمار" باحتياطي 11 تريليون قدم مكعب، وفي عام 2010م حقل لفياثان باحتياطي 22 تريليون قدم مكعب، من جهة أخرى في عام 2020م  أقدم الكيان الصهيوني على عقد اتفاقيات دولية خاصةً مع قبرص واليونان؛ لترسيم حدوده البحرية، والاتفاق معهما لمد خطوط أنابيب تمتد عبر البحر وصولاً إلى أوروبا عن طريق اليونان ومنها إلى إيطاليا، حيث فتح الكيان له أسواق جديدة داخل بلدان أوروبا، وتضخ لها كميات هائلة من الغاز الطبيعي في ظل انقطاع الغاز الروسي عنها، ورغم ذلك تعاني أوروبا من أزمة نقص الطاقة والغاز، وتعيش في حالة صراع داخلي يستغله الكيان لصالحه أسوء استخدام.

جمهورية مصر العربية:

في عام 2015م تم اكتشاف حقل "ظهر" المصري باحتياطي 30 تريليون قدم مكعب، الأكبر حجماً في البحر المتوسط، وقد رسمت مصر حدودها البحرية عبر اتفاقية مع جزيرة قبرص، وفي أغسطس عام 2020م رسمت حدودها أيضاً مع اليونان، كما تُعد مصر من أكبر المستفيدين من اكتشافات حقول الغاز الجديدة، وتمتلك الامكانات لاستثمار الثروة الغازية ومحطات خاصة  لتحويل الغاز إلى سائل أشهرها محطتي "دمياط، وإيديكو"، وتعتبر مصر الوحيدة القادرة على تصدير الغاز المسال عبر السفن.


قبرص واليونان:

في عام 2011م تم اكتشاف حقل أفرودات القبرصي باحتياطي 8 تريليون قدم مكعب، وفي عام 2018م أكتشف حقل كاليبسوا القبرصي باحتياط من 6-8 تريليون قدم مكعب، وفي يونيو عام 2020م أقدمت اليونان على ترسيم حدودها البحرية مع إيطاليا.

لبنان:

أشارت المسوحات الأولية لخبراء الطاقة إلى وجود 5 مناطق بحرية لبنانية في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان، ضمن المناطق (1، 4، 8، 9، 10) وتعد الأوفر حظاً من الثروة الغازية المكتشفة والتي تقدر باحتياط اجمالي 25 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، إضافة إلى 500 مليون برميل من النفط، كفيلة بتغطية حاجة لبنان من الطاقة مدة 2000 عام، وفي عام 2007م بدأت لبنان في ترسيم حدودها البحرية وفقاً لقانون البحار، ثم قررت في عام 2017م منح التراخيص اللازمة للتنقيب عن الغاز والنفط لثلاثة شركات دولية، للتنقيب في المنطقة 9 المقابلة للساحل الجنوبي اللبناني، وفي المنطقة 4 المقابلة لساحل جبل لبنان.

النزاعات والخلافات بين الدول الأعضاء الشرق أوسطية حول حقول الغاز المكتشفة:

الخلافات اللبنانية القبرصية:

في عام 2007م وقعت لبنان اتفاقية مع قبرص؛ لترسيم حدودها البحرية، وقد أضافت بند في الاتفاقية ينص على أنه في حالة (قررت قبرص عقد اتفاقيات مع أي دول أخرى لها علاقة بالمنطقة الحدودية البحرية اللبنانية، فعليها الرجوع إلى الحكومة اللبنانية أولاً قبل التوقيع على الاتفاقيات)، ولكن قبرص لم تحترم هذا الشرط، وقد نفذت اتفاقية مع الكيان الصهيوني دون الرجوع إلى الحكومة اللبنانية.

النزاع الصهيوني اللبناني:

تركز النزاع بين طرفي الصراع على المنطقة 9 التي تبلغ مساحتها نحو 860 كيلو متر مربع، وتحتوي على كميات ضخمة من احتياط الغاز، وتُعد الأوفر حظاً بالثروة المكتشفة من بين المناطق، الأمر الذي دفع الوزير الصهيوني ليبرمان الاعلان عن ملكية كيانه للمنطقة 9، حيث تقع المنطقة 9 بمحاذاة منطقة متنازع عليها بين الكيان ولبنان تبلغ مساحتها 360 كيلو متر مربع، وفي عام 2010م سعى الكيان الصهيوني لتحديد حدوده المائية مع قبرص، وقد رسم حدوده بشكل متداخل مع الحدود البحرية اللبنانية في المنطقة 9، واعتمدت ميثاق ترسيم الحدود والاتفاق من الأمم المتحدة، ثم منع الكيان عمليات التنقيب للشركات المتعاقدة مع لبنان في المنطقة 9، الشركات: (الايطالية، والفرنسية، والروسية)، حيث أعلنت شركات التنقيب بأنها لن تعمل في المنطقة 9 المتنازع عليها، ولكنها ستعمل في المنطقة 4 فقط.

اشترطت المحاكم الدولية أبرزها "محكمة العدل الدولية"، و"المحكمة الخاصة بشؤون البحار" على طرفي النزع للحل بينهما أن يعترفا باختصاص المحكمة، والاقرار بقبول قرار المحكمة وحكمها الصادر، مما زاد الأمر تعقيداً واستمرار تطور النزاع، ومنذ عام 2013 حتى عام 2019 تدخلت أمريكا بين طرفي الصراع كواسطة لحل النزاع وانتهت جهودها باقتراح حل على لبنان بتقسيم المساحة في المنطقة 9 إلى بما مساحته (468) كيلو متر مربع إلى لبنان، وبما مساحته (392) كيلو متر مربع للكيان الصهيوني، فكان الرد اللبناني الرفض لهذا المقترح، وبالتالي توقفت مساعي الحل وأنزلت أمريكا سفنها الحربية تتجول في المنطقة بين دولة لبنان والكيان الصهيوني.   

النزاع التركي مع دول الجوار - "قبرص، واليونان":

الخلاف التركي المصري: حاولت تركيا كسب أرض جديدة بأي طريقة للحصول على حصة من الثروة المكتشفة تكون أكبر من حصتها المحدودة، فسعت أولاً لترسيم حدودها البحرية مع مصر، ولكن رفضت مصر الطلب التركي لأنها ستتجاوز الحدود البحرية القبرصية واليونانية.

النزاع التركي مع قبرص واليونان: كانت أنقرة وما زالت تعتبر جزيرة قبرص ومنطقتها الاقتصادية الخالصة جزءً من الجرف القاري التركي، وسعت تركيا بعد ذلك لترسيم حدودها مباشرة مع قبرص واليونان حسب الاحتكام لقانون البحار الدولي، رغم عدم اعترافها به، ثم لجأت إلى سياسة الأمر الواقع ووضع اليد بالتحرك العسكري في المنطقة البحرية، الأمر الذي فتح على تركيا جبهات مختلفة، كانت أول جبهة مع قبرص، وانتهت باليونان، وفي عام 2019م قررت تركيا القيام بعمليات تنقيب بحماية البحرية التركية في مياه جزيرة قبرص، وهنا بدأت شرارة النزاع، ثم اعترضت تركيا عمل شركات تنقيب الغاز الأوروبية (الإيطالية، والفرنسية)، وفي أغسطس عام 2020م تحركت تركيا بسفنها لمحطة جديدة في منطقة متنازع عليها مع اليونان مقابل ساحل بحر إيجا، الأمر الذي دفع اليونان لرفع حالة الاستعداد العسكري لقواتها البحرية؛ لمواجهة القوات البحرية التركية.

وبالتالي حدث توتر بين تركيا واليونان التي هي "عضو في الاتحاد الأوروبي"، حيث أرسلت فرنسا سفنها الحربية لحماية اليونان من تركيا، ووجهت تركيا الاتهام لليونان بأنها تستبعدها من الاكتشافات الغازية والنفطية، كما أعلنت تركيا إصرارها على تقسم حدودها بين دول الجوار.

ضرب الاتفاق التركي الليبي: في عام 2019م تحركت تركيا إلى ليبيا، ووقعت معها على اتفاقية ترسيم حدودية بحرية مع حكومة السراج المنتهية صلاحيتها في ليبيا، الأمر الذي لاقى اعتراضاً دولياً بشكل كبير على هذه الاتفاقية؛ لأنها تتعدى بشكل صريح على الحدود البحرية لجزيرة تكريت اليونانية وقبرص، ثم تم رسم خط أحمر من سرت حتى الجفرة الليبية؛ ومنع تركيا وتحذيرها  من اجتياز هذا الخط، الأمر الذي أوقف تركيا عن مساعيها وأصبح الهدوء سيد الموقف. 

الخلاصة:

التهديدات والمخاطر:

تتطور النزاعات بين الدول الأعضاء ويزداد مع ازدياد حجم اكتشافات الثروة الغازية والنفطية وتقنينها للاستفادة منها، الأمر الذي سيزيد من أطماع بعض الدول في ثروات المنطقة العربية، سعياً لأخذ نصيب من هذه الثروة المكتشفة حتى لو لم يكن لها حق فيها.

تقدير موقف حول تطور النزاع الجاري بين لبنان والكيان إلى حرب طاحنة:

يقول هتلر (عندما تنتهي الحلول الدبلوماسية، تُدق طبول الحرب)، وبكل الأحوال تعد أمريكا صاحبة الضوء للبدء في حرب خاصةً في حدود منطقتنا العربية، وبالرغم من التحرك والتواجد للسفن الحربية الأمريكية والأوروبية في المناطق البحرية المتنازع عليها في دول شرق المتوسط، في إشارة إلى رفع حالة التأهب والاستعداد لدى أمريكا وحليفتها الكيان الصهيوني لأي تطور عسكري في المنطقة، إلا أن المؤشرات تؤكد على أن أمريكا تريد الاستقرار حالياً في منطقة شرق المتوسط، بسبب أزمة أوروبا في نقص الطاقة نتيجة الأزمة الروسية الغربية، أما عن امكانية حدوث حرب بين حزب الله اللبناني والكيان الصهيوني حول المناطق البحرية المتنازع عليها مثل منطقة 9 الغنية بالغاز، فهي عرضةً للقصف والاستهداف من قبل حزب الله بكل سهولة، بالرغم من قدرة الردع الصهيونية وامكانية ضرب لبنان، ولكن تبقى الحقيقة بأنه لا يوجد فائدة من إنهاء النزاع عسكرياً، واستمرار حل الوساطة بين طرفي النزاع؛ بسبب امكانية تضرر كافة أطراف النزاع وفقدان الثروة المكتشفة.

تقدير موقف شامل:

اكتشافات جديدة ومستمرة لحقول غاز وآبار نفط في دول الشرق الأوسط، تستغلها أمريكا والكيان الصهيوني والاتحاد الأوروبي بشكل رئيس من خلال العديد من الطرق خاصةً عبر الأمم المتحدة والاحتكام لقانون البحار الدولي، الذي يحفظ الحدود البحرية للدول الغربية والكيان الصهيوني، ويستثني الحدود البحرية للدول العربية ويبدد ثرواتها، من جهة أخرى يستمر العدو الصهيوني في سرقة الثروات العربية الفلسطينية ومن دول الجوار العربية بحماية أمريكية، ويتقن معالجتها واستخدامها وتحويلها وتسويقها، وتعود عليه بعوائد ضخمة هائلة بسبب سيطرته على الأسواق الأوروبية كبديل عن المورد الروسي، الأمر الذي سيعزز من تأييد ودعم الكيان الصهيوني بشكل كبير من قبل الغرب، كما يبدو واضحاً توجه الغرب بمساعدة الكيان الصهيوني لإحكام سيطرته على أكبر قدر ممكن من الثروة المكتشفة سواء في داخل فلسطين أو في المناطق الحدودية مع دول الجوار.

التوصيات:

  1. إعلان تصريحات من شخصيات ورموز وطنية  تتحدث عن (سياسة الاحتلال في سرقة الأراضي الفلسطينية للاستيطان، وسرقة الثروات الفلسطينية بدءً من ثروات البحر الميت، وآخرها حقول الغاز المكتشفة في البحر المتوسط، والتأكيد على أنها ثروات فلسطينية يسرقها العدو ولا يجوز لدول العالم شراؤها من محتل سارق).
  2. التصريح بمطالبة الدول العربية والإسلامية أنظمة وشعوب القيام بواجبهم الشرعي بحماية فلسطين وتحريرها باعتبارها أرض وقف إسلامي بمقدساتها وثرواتها لكافة المسلمين.
  3. استثمار الموقف للقيام بعمل تحالفات إقليمية ودولية وتعزيزها مع أطراف النزاع المتضررين مثل (روسيا، وتركيا، ولبنان، ... إلخ)، والتنسيق معهم باستمرار في أي حلول استراتيجية
  4. توجيه تصريح إعلامي لشركات التنقيب العاملة في حقل غاز مارين التابع لغزة، بأن عليها إخلاء الموقع، وأن مناطق بحر غزة غير آمنة لكل من يتواجد فيها، ويسرق ثرواتها.
  5. توجيه رسائل رسمية لكافة السفارات والقنصليات والوكالة والهيئات الغربية المقيمة والعاملة في قطاع غزة يُذكر فيها بأن (الكيان الصهيوني الذي يحتل لفلسطين العربية يستمر في سرقة ثرواتنا القومية ويحرم الشعب الفلسطيني الاستفادة من ثروات بلاده، ومطالبة دول العالم والأمم المتحدة والمحاكم الدولية بإنهاء الاحتلال الصهيوني ومحاكمته على جرائمه بحق الشعب الفلسطيني).
  6. التركيز الاعلامي الدعائي حول الكيان الصهيوني كاحتلال لأرض فلسطين وإظهار (جرائمه في سرقة الأراضي، ونهب الثروات الفلسطينية، والاعتداء على حقوق الإنسان الفلسطيني وحرمانه من أبسط حقوقه).