مقدمة:
أعلنت وزيرة
الداخلية البريطانية بريتي باتل الجمعة 19 نوفمبر/ تشرين ثاني 2021 أنها تسعى
لتصنيف حركة حماس الفلسطينية بكاملها "منظمة إرهابية"، وقالت باتل في
إعلانها عن الخطوة على تويتر: "تملك حماس قدرات إرهابية هائلة، بما في ذلك
إمكانية الوصول إلى أسلحة كثيرة ومتطورة، بالإضافة إلى منشآت للتدريب الإرهابي"[1].
وبينما تأتي هذه
الدعوة بعد أيام من الذكرى 104 لوعد بلفور وبعد أقل من ستة أشهُر من
العدوان الصهيوني الأخير على غزة والذي خرجت خلاله مظاهرات حاشدة في عدد من المدن
البريطانية منددة بالعدوان على غزة[2]، وسط دعوات
بالتحقيق في بيع تقنيات أسلحة بريطانية التي استخدمها الاحتلال في عدوانه على
المدنيين على قطاع غزة 10 مايو/ أيار 2021[3].
الأمر الذي
يقودنا للتساؤل عن سياقات هذه الدعوة في هذا التوقيت، والأبعاد السياسية
والقانونية لهذه الدعوة، وما هي الإجراءات التي يمكن أن تقوم بها حركة حماس أو
مناصري الشعب الفلسطيني في بريطانيا وخارجها تجاه هذا القرار.
محددات السياسة الخارجية البريطانية تجاه القضية
الفلسطينية:
منذ
مساهمتها في تأسيس اسرائيل، سعت الحكومات البريطانية عبر عضو البرلمان العمالي بول
روزي للاعتراف بإسرائيل مقابل فكرة إقامة " دولة فلسطينية" عام 1967، ثم دعوات رئيسة
الوزراء/ مارغريت تاتشر عام 1982 لإقامة كونفدرالية أردنية فلسطينية
والاعتراف بمجموعة من تنظيمات منظمة التحرير مقابل الاعتراف بإسرائيل، وصولاً للاعتراف
بفلسطين بصفة مراقب في الأمم المتحدة عام 2011 ثم في 2014 أقر مجلس العموم
الاعتراف بدولة فلسطين كدولة مستقلة.
ورغم
تواتر هذه السياسة البريطانية، فقد عرفت الفترة من 2015 إلى 2020 تنامي دور زعيم
حزب العمال جيرمي كوربين في تأييد الحقوق الفلسطينية، والتي أثارت عليه المحافظين
واللوبيات اليهودية في بريطانية وأودت بزعامته للحزب من ناحية ووتدني مستوى تمثيل
الحزب في الانتخابات البرلمانية.
خلفيات الإعلان البريطاني تصنيف حماس "إرهابية":
تعود
خلفيات القرار الجديد للمرحلة التي تمثلها وزيرة الداخلية البريطانية/ بريتي باتل
منذ 2019، المدافع الأبرز عن إسرائيل، وهي تنتمي لأقصى اليمين بحزب
المحافظين وذات نزعة ثاتشرية، أي أن نزعتها العدائية تجاه المقاومة
الفلسطينية وكل حركات التحرر في العالم هو امتداد لتيار رئيسة الوزراء السابقة
مارغريت تاتشر، علماً أن 78 حركة مصنفة حركات إرهابية في القوائم
البريطانية.
يذكر
أن رئيس الوزراء البريطاني توني بليز قد علق على فوز حركة حماس في الانتخابات
التشريعية عام 2006 بأن قوس من التطرف تمدد في الشرق الأوسط.
الأبعاد السياسية والقانونية للإعلان البريطاني:
سياسياً يُعتبر القرار محاولة للتغطية على التراجع الكبير في الدعم
الشعبي الغربي والأوربي لإسرائيل خصوصاً بعد العدوان الأخير وعدوان 2014، حيث كانت
بريطانيا من أكثر دول التي خرجت فيها مظاهرات منددة بالعدوان الصهيوني ودعماً
للحقوق الفلسطينية، مما دفع رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينيت أن يطلب من رئيس الوزراء
البريطاني بوريس جونسون بأن تتخذ بريطانيا قرار اعتبار حماس حركة إرهابية، وهو ما
نقلته الوزيرة باتل إلى حيز التنفيذ.
أما قانونياً، فإن القرار في منتهى الخطورة حيث
يهدف لإرهاب النشطاء الداعمين للحقوق الفلسطينية خصوصاً من حركةBDS وغيرها، حيث أن العقوبة التي وضعها القانون
والتي تصل إلى 14 سنة في حال ثبوت دعم الشخص لحركة حماس، على الرغم من
اعتبارها أنها "عقوبة غير مفهومة!!!، خاصة أنه - من الناحية العملية- لا وجود
رسمياً لحماس في بريطانيا.
ووطنياً، فإن المطلوب من حماس ومن خلال كافة القوى الوطنية تصدير
القرار البريطاني على أنه استهداف للكل الوطني، كون المقاومة وحق تقرير المصير هما حقوق مشروعة ضد أي احتلال.
مقترحات سياستيه لمواجهة القرار:
· دعوة
السلطة الفلسطينية للقيام بدور أكبر على غرار الحِراك الذي قامت به في الأمم
المتحدة وقد أفشل قرار تجريم المقاومة، لاسيما أن بيان الخارجية الفلسطينية كان
رافضاً للقرار واصفاً إياه بـ: الرضوخ للضغط الإسرائيلي[4]. وهذه فرصة مهمة
للسلطة والفصائل للظهور بمظهر وطني وحدوي داخلياً وخارجياً.
· استثمار
أكبر للحضور المتميز للسيد/ حسام زملط ممثل منظمة التحرير في بريطانيا، وآخرين،
حيث يُعتبر السيد/ زملط شخصية مؤثرة ولها علاقات مميزة من الجاليات والنقابات
وبرلمانيون بريطانيون أو من الدول التي دعمتنا سابقاً في الأمم المتحدة وأفشلت
قرار تجريم المقاومة.
· ممارسة
أوسع للدبلوماسية الرقمية عبر المتابعة الدائمة لحسابات التواصل الاجتماعي لشخصيات
حكومية وبرلمانية بريطانية، وكذلك الكتاب والمفكرين والناشطين السياسيين، والتعليق
على منشوراتهم وفعالياتها بالرواية الفلسطينية، وكذلك توضيح جرائم الاحتلال.
خاتمة:
يمكن تمرير القرار، لكن تطبيقه سيُحرج
الحكومة البريطانية وقد يُدخلها في صراع مع قطاعات شعبية واسعة من الداعمين للقضية
الفلسطينية، فكيف يمكن إسكات هذه الجماهير المناصر للشعب الفلسطيني وهي تشاهد
العدوان والبطش الاسرائيلي بالفلسطينيين، في حين أن كبار المسؤولين الأوربيين في
مثل هذه اللحظات يصرحون بغير ذلك.
وأستذكر هنا تصريح المستشارة
الألمانية أنجيلا ميركل في العدوان الأخير مايو 2021، "لابد من
إشراك حماس بطريقة ما، فبدون حماس لن يكون هناك وقف لإطلاق النار"،
مضيفة أنه "لابد بالطبع من وجود اتصالات غير مباشرة مع حماس"[5]. وسبق ميركل رئيس الوزراء البريطاني السابق توني
بلير حين أقر أنه وزعماء أخرين من العالم: (ارتكبوا خطأ بدعم مقاطعة حماس
الفلسطينية بعد نجاحها في الانتخابات في عام 2006، مضيفاً أنه:
كان على المجتمع الدولي جر حماس للحوار بدلاً من مقاطعتها)[6].
إن من يمتلك القوة (الخشنة والناعمة) ويراكمها ويُحسن استخدامها في إيذاء إسرائيل وفضح جرائمها، قادر على إنتزاع الاعتراف به وفرض إرادته على الجم
[1] بريطانيا
تعتزم تصنيف حركة حماس حركة الفلسطينية " منظمة إرهابية"، BBC، 19/11/2021. https://2u.pw/5bNgx
[2] بينها
لندن وباريس.. مدن عالمية وعربية تتظاهر دعما للفلسطينيين، قناة الجزيرة،
22/05/2021. https://cutt.us/OCOdZ
[3] خلال
جلسة في البرلمان حول التطورات الأخيرة في غزة.. بريطانيا.. برلمانيون يطالبون
بوقف بيع السلاح لإسرائيل، وكالة الاناضول، 19/05/2021. https://cutt.us/UjrJ6
[4] وزارة
الخارجية والمغتربين: ترفض قرار الداخلية البريطانية حول حماس، موقوع وزارة
الخارجية، 21/11/2021. https://2u.pw/ObY8E
[5] ماذا وراء
تأييد ميركل إجراء "اتصالات غير مباشرة" مع حماس؟، DW ، 22/05/2021. https://p.dw.com/p/3tna9
[6] بلير يقر
بـ "الخطأ" في دعم مقاطعة حماس، BBC،
15/10/2017. https://cutt.us/9qJzV