التموضع
الإيراني في سوريا.. هل يقوضه الاتفاق النووي
تعتبر
إيران أحد أهم الفاعليين الإقليميين، وهو ما تدركه الأطراف وتفهمه لكنها لا تحاول
أن تضعف ذلك الفعل، ولا يمكن تجاوز قدرة إيران على التأثير في الإقليم مع ما
تمتلكه من أوراق القوة والتأثير، وقد ظهر ذلك في أوضح صوره في قدرتها على التأثير
في القضية العراقية سابقاً والأزمة السورية لمدة طويلة ومستمرة، وبالرغم من وجود عدد
من الفاعليين الدوليين كروسيا والتحالف الدولي.
حققت
إيران بتموضعها في سوريا أحد أكبر المكاسب في العقد الأخير على مستوى دعم وتثبيت
حكم حليفهم بشار الأسد وتأكيدا لقدرتها وتأثيرها، وميدانيا بتمددها ونقل التهديد
الإيراني فيزيائياً لحالة تماس مع "إسرائيل"، صحيح أن حالة الاشتباك بين
الطرفين ظلت في إطار محدود الفعل ورده، لكن التموضع والانتشار الايراني بقي في
إطار السعي لمراكمة مكتسبات تواجدها الميداني وانتشارها في الأراضي السورية وبناء
القواعد العسكرية واللوجستية.
للجمهورية
الاسلامية الايرانية تجربة سابقة في سعي بعض الأطراف للحد من تواجدها وتموضعها في
سوريا، فقد رفضت إيران مقترح روسي بالتموضع بعيداً عن الحدود السورية مع "إسرائيل"
لمسافة 85 كيلو متر، وبالرغم من استمرار الهجمات "الإسرائيلية" على
الأراضي السورية ضد التموضع والانتشار الإيراني، إلا أن كل هذه المحاولات لم تُنتج
أي مؤشرات تشير في القريب لنية إيران الانسحاب من سوريا.
يرى
البعض أن الاتفاق النووي المرتقب، والذي من المتوقع أن تُنتجه مباحثات فيينا يمثل فرصة
أمريكية تحديداً للضغط على إيران؛ رغبة في ضمان مصالح الحلفاء خاصة "إسرائيل"،
والتي تعارض الاتفاق أساساً، ولا ترغب فيه، وهو ما أشارت له الرغبة الأمريكية في
بناء اتفاق واسع وشامل لا يقتصر على الملف النووي، ليكون تقديم بين يدي قبول
"إسرائيل" للاتفاق، إذ من المتوقع أن يمتد الاتفاق أو ملاحقه أو الاتفاق
الشامل والواسع لملفات أخرى، سيكون أهمها الرغبة الأمريكية للاتفاق على مسألة
التموضع الإيراني في سوريا.
لكن
إيران ترى أن من مصلحتها ومصلحة حلفائها استمرار تموضعها في سوريا، ولا يوجد ما
يشير لقبولها مناقشة الملفات الأخرى، وتطمح فقط للوصول لاتفاق نووي يفضي لرفع
العقوبات عنها، لذا فإنه وعلى ما يبدوا بدأت إيران بمحاولة إدخال أوراق قوة جديدة
في المنطقة للعبة السياسية الجارية، بتصعيد هجوم الفصائل المسلحة المدعومة منها في
العراق، وتنفيذها هجمات عسكرية ضد السفارة الأمريكية في العراق، وضد التموضع
الأمريكي في الشرق السوري وفي أربيل وفي بغداد.
يعد
امتلاك إيران لأوراق ضغط واستثمارها لمسرح العملية السياسية والميدانية، سيُحسن من
موقفها التفاوضي في فيينا، وسيوسع هامش مناوراتها التفاوضية، وسيمكنها من طرح
رؤيتها حول الاتفاق الشامل الذي لا ترغبه إيران أساساً، ولكنها ستجد ما تقوله وما
تفاوض وتساوم عليه حال إصرار أطراف الاتفاق.
وفي
المقابل لا يمكن الحديث عن الاتفاق النووي أو الشامل بعيداً عن الوضع الداخلي
الإيراني، مع ما يكابده الاقتصاد الإيراني نتيجة للعقوبات الاقتصادية الأمريكية،
خاصة أن الدعاية الانتخابية للرئيس الجديد إبراهيم رئيسي؛ ارتكزت على وعوده بتحسين
الواقع الاقتصادي، ويعتبر أن مهمته المقدسة في الفترة القادمة محددة في إخراج
إيران من الأزمة الاقتصادية وتجاوز العقوبات، ولا يمكن الوصول لذلك دون التوصل
لاتفاق نووي يشمل رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران.
ملف
التموضع الإيراني في سوريا ليس الملف الوحيد الذي ترغب واشنطن في التوافق عليه ضمن
الاتفاق الشامل، وكذلك ليس هو العقبة الوحيدة سواء أمام الاتفاق النووي أو الشامل
واللاحق الذي تريده واشنطن، فهناك كثير من المسائل ستمثل عقبات وتحديات، منها؛ رفع
العقوبات عن الرموز الإيرانية كالمرشد و128 آخرين من رموز النظام، ورفع العقوبات
على كيانات ومؤسسات إيرانية، وهو ما تتلكأ وتماطل به واشنطن، وكذلك برنامج إيران
الصاروخي ونشاط إيران في الإقليم.
وبصرف
النظر عن باقي الملفات، فإنه ليس من السهل تراجع إيران عن تموضعها في سوريا، فهي
استراتيجية يتبناها المرشد ومؤسساته، كما أن الثمن الذي دفعته إيران في سوريا يجعلها
أكثر تمسكا بالبقاء خاصة أن مسألة التموضع أو الانسحاب الإيراني يعتبر مسألة حساسة
معززة لحالة الاشتباك مع "إسرائيل".
لذا
فإن أرجح السيناريوهات والخيارات أمام إيران تتمثل في:
أولاً:
رفضها المطلق للاتفاق اللاحق أو الشامل.
ثانياً:
القبول بالاتفاق اللاحق والشامل، دون إدراج مسألة التموضع في سوريا.
ثالثاً:
القبول بالاتفاق اللاحق والشامل، والتوافق في مسألة التموضع على صيغة تمثل مخرج
مرضي للأطراف، بحيث يسمى "إعادة تموضع وانتشار"، مع الإبقاء على الخبراء
الأمنيين والعسكريين في سياق الشراكة والتحالف الأمني والعسكري مع سوريا.
لذا
يبقى إنهاء التموضع الإيراني في سوريا أمر بعيد المنال، وليس في وارد الحسابات
الإيرانية، لكن يمكن التوافق على شكل هذا التموضع بما يضمن مصالح الأطراف في
الاتفاق.
عمار الدلو
الباحث
في معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية
يوليو 2021