تعد المسؤولية المجتمعية من الضروريات الإنسانية الواجبة أخلاقياً ووطنياً، ومبدأ أصيل للاستمرار والبقاء, وهي نظرية أخلاقية قوامها أن لكل كيان في المجتمع دوراً يجب أن يقدمه لخدمة المجتمع، وهو ما يعني أنها صفة إلزامية تقتضي أن يقوم كل فرد بالواجبات التي يتوقعها منه المجتمع في سلوكه ويقع على عاتقه العمل لمصلحة المجتمع ككل، ويعتبر التزام الفرد تجاه مجتمعه والمساهمة في تحقيق التنمية والعمل على تحسين نوعية الظروف الحياتية، وممارساته سواء بسلوكه السلبي عبر الامتناع عن الانخراط في أفعال ضارة، أو الإيجابي من خلال القيام بأفعال تحقق أهداف المجتمع بشكل مباشر.
لا شك إن الوعي مُهمة جسيمة، تتطلب تضافر الجهود، ومقدرة الإنسان على أن يلزم نفسه أولاً، أن يفي ذلك بالتزامه بواسطة جهوده ويكون مسئول عن تصرفاته وملزم بكل ما ينتج عنها، والتزامه بقوانين المجتمع وعاداته وتقاليده، ومدى تعاونه مع المجتمع والمساهمة في رفعته وتحسين صورته من خلال السلوك الأخلاقي، واحترام القوانين والأدوار الحكومية، وزيادة التثقيف والوعي الاجتماعي على مستوى الأفراد، وهو ما قد يساهم بالاستقرار السياسي والشعور بالعدالة الاجتماعية.
يتطلب تحقيق المسؤولية الاجتماعية قدراً عالياً من التكامل البنائي الاجتماعي، ويتأسس هذا التكامل عبر ثقافة واحدة تساهم في ربط أفراد المجتمع وتوحيدهم في بناء اجتماعي واحد ، ويؤكد على الجانب النظامي، ويهتم بمجموعة من الترتيبات النظامية التي يمكن عن طريقها توفير المساعدة في دعم الحياة الاجتماعية وسيرها بصورة منظمة، ويتحقق ذلك عن طريق عمليات اجتماعية تستند إلى التعاون، وإقصاء الصراع، والمساهمة بفكرة المشاركة في قيادة المجتمع، وحينما تتقاعس أحد الأجزاء عن أداء دورها يؤدي إلى توتر نسقي ينعكس على أمن النظام الاجتماعي والتي قد يؤدي عدم تداركها إلى حالة من الفوضى المهددة لأمن المجتمع .
ان تناول الواجبات لا يتم إلا بالنظر إلى الحقوق، فكلاهما وجهان لعملة واحدة إذ يصعب مطالبة الفرد بواجبات دون منحه حقه الذي يعزز انتماءه، فالانتماء مسألة حيوية تعزز الارتباط الواعي بالمجتمع حيث يتأسس الانتماء على جانبين: أحدهما أيديولوجي واستعداد نضالي ولتحمل المسئولية وتحقق الأهداف، وآخر يدخل في دائرة الممارسة حيث يترجم الاستعداد الفكري إلى واقع حي ملموس، من خلال ارتباطها بالأساس الأخلاقي الذي تستند إلية المواطنة، وهي التي تدفع المواطنين إلى تبنى مفهومات إيجابية، وإلى ممارسات سلوكية تتصف بالاندماج في الحياة الاجتماعية والسياسية، والوعي بأهمية هذا الاندماج. وكلما تحقق التوازن بين الحقوق والواجبات كلما قوي ارتباط الفرد بمجتمعه وتأكد انتمائه له، أما إذا اهتز التوازن بين الحقوق والواجبات في مقابل الضغط على الفرد وحرمانه من حقوقه فإن ذلك يؤدي إلى حالة من الاسترخاء وتقل الارادة ويضعف الانتماء.
كثيرة هي التساؤلات التي تًطرح على جميع المستويات حول مفهوم عمل الشرطة وارتباطه المباشر بممارسة السلطة خارج قيود العقد الاجتماعي غالباً، وأحيانا ضمن معايير وقواعد إقامة التوازن بين مستلزمات تحقيق العدالة وإنفاذ القانون من جهة، وموجبات ضمان حقوق الإنسان التي هي من أهم رموز المسؤولية الاجتماعية واحترام الحريات الشخصية من جهة ثانية.
الأمن المجتمعي ليس نتاج جهد فردي وليس منوطا بجهة معينة بل هو حصيلة جهد تكاملي بين جميع أفراد المجتمع ومؤسساته وقد سعى كثير من الخصوم والاعداء لاستخدام ثورة التكنولوجيا التي طالت كل الجوانب وذلك بفضل ما حملته من أدوات جديدة لإنتاج وتوزيع المعلومات وقد قاد ذلك إلى إثارة نوع من الجدل والفوضى الموجهة ورفع وتيرة المخاطر والتهديدات على الأمن الوطني وإبراز تحدياتها.
المفكر كفرناند كاتالا خلُص إلى واقع أن الأداء الشُرَطي مستنكر على جميع الاحوال ملتقياً في موقفه هذا مع مقولة غوستاف فلوبير بأن الشرطة دائماً على خطأ، وبرغم تلك النظريات، فإن هذا الجهاز الشرطي هو الشريان الحيوي لاستمرارية وديمومة المجتمعات أياً تكن أنظمتها، وهو يتميز بحضور دائم وفاعل في جميع المراحل التي تمر بها هذه المجتمعات، لا بل أن تَدخل الشرطة يصبح أكثر إلحاحاً وأبلغ تأثيراً في الظروف الاستثنائية ولعلُنا في مجال تأكيد أهمية هذا الجهاز نستذكر دوره في خدمة المواطنين والأفراد أبان الحروب والدور البارز في معالجة اثار وباء كورنا واستشعار الأجهزة لحجم الخطورة العالي وتحولها إلى مكوّن أساسي ذي مسؤوليات اجتماعية معقدة ومتشابكة على جميع الصعد وفي المستويات البنيوية والقطاعية .
سعت الأجهزة الشرطية والأمنية في قطاع غزة لتطوير أدواتها ورفع درجة كفاءتها، وتجاوز التحديات التي واجهتها وحولتها الى إنجازات تحسب لها، ومعالجة بعض إشكالات انفاذ القانون، ومارست الأجهزة الأمنية بغزة المسؤولية المجتمعية بخطوات مدروسة ومحسوبة بعناية.
تتعرض احياناً عناصر انفاذ القانون لبعض أشكال العنف ليس ضدّها شخصياً، ولكن لكونها ممثلة للدولة، وهي المسؤولة عن حماية النظام والأمن العام من ناحية، وحماية المواطنين من ناحية أخرى، وهي مهمة صعبة وحساسة تضع كفاءات عناصر الشرطة المهنية تحت المجهر وتحت التجربة، وهذه الكفاءات تتطلب منهم احترام القواعد القانونية والأخلاقية.
ولقد منح القانون الفلسطيني للسلطة التنفيذية توسيع صلاحيات الأجهزة الشرطية والأمنية في حالة الطوارئ، وتعليق بعض الاتفاقيات الخاصة بحقوق الانسان، لكنها حافظت على أصول لا يمكن تجاوزها مثل حق الحياة ومنع ممارسة التعذيب تحت أي ظرف كان وأن يتذرع بالأوامر أو بظروف استثنائية كحالة الحرب، أو التهديد بالحرب، أو احاقة الخطر بالأمن القومي، أو أية حالة أخرى من حالات الطوارئ، وهذا يعطي الحق لقوى الأمن توقيف الأشخاص إذا تعرّض أحد أفرادها للخطر، على أن يخضع الموقوفون للعدالة بدون توجيه أي ضربة أو إهانة.
وجعل التدرج في استعمال القوة معياراً قبل استخدامها، ذلك عندما يبدي شخص ارتكب جرم مقاومة ويعرض حياة الآخرين للخطر بطريقة أو بأخرى وتكون التدابير الأقل تطرفاً غير كافية لكبح المشتبه به أو لإلقاء القبض عليه، وإن استخدام القوة المفرطة غير مبرر لعدم وجود خطر حقيقي، أما من الناحية العملية، فإن استعمال القوة في وجه المواطنين يؤدي إلى استعمال القوة من قبل هؤلاء أيضا، وإلى استثارة المزيد من الغضب، وتصعيد العنف وتحويل الصراع بين المواطنين وعناصر القوى الأمن.
تقع على الشرطة مسؤولية حماية حقوق الانسان، والأهم تقع على قوى الأمن الداخلي التحقيق ومحاسبة المسؤولين عن كل انتهاك لحقوق المواطنين، وكل سوء لاستعمال القوة.
المسؤولية الأساسية ملقاة على عاتق الجميع بلا استثناء سواء كانوا داخل السلطة او خارجها من اهل الحكم او معارضيها في اعتبار ان القانون هو الملاذ الأول والأخير لقيام دولة الحق والحرية والمساواة، وهذا هو التحدي الذي يجب أن نجتمع تحت سقفه بشعار مواطن كريم يحميه شرطي حكيم.