لا شك أن المصالحة الوطنية وانهاء حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية تشكل مطلب شعبي عام، وذلك للتخلص من الضريبة والثمن الذي يدفعه الشعب وتدفعه القضية على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
لكن استحقاق المصالحة يشكل في الوقت ذاته مطلباً ملحاً لطرفي النزاع فتح وحماس على حد سواء، كل لأسبابه الخاصة والعامة، لا سيما في المرحلة الراهنة التي تشهد تغيرات كبرى على المستوى الاقليمي بفعل الثورات الشعبية المشتعلة في المنطقة العربية.
وهنا نحاول استعراض أهم الأسباب الدافعة في اللحظة الراهنة لكل طرف للمضي قدماً في اتجاه توقيع اتفاق المصالحة، خصوصاً أن جولات عديدة سابقة جرت ولم يُكتب لها النجاح.
الأسباب المتعلقة بحركة فتح:
انسداد الأفق بشكل كامل لعملية التسوية نتيجة التنكر الاسرائيلي لكافة متطلباتها.
فقدان فتح أحد أهم حلفائها السياسيين في المنطقة والمتمثل في النظام المصري السابق.
رغبة أبو مازن في تعزيز موقفه والذهاب للأمم المتحدة في أيلول المقبل لمواجهة استحقاق الدولة المأمول، متسلحاً بشعب فلسطيني موحد.
شعبية فتح في الساحة الفلسطينية والعربية في حالة انهيار نتيجة الفضائح المتكررة التي تعرضت لها الحركة مثل اتهامها بالتواطؤ في حصار غزة وحربها، وتقرير جولدستون، وكشف وثائق التفاوض.
اتجاه حركة الشعوب العربية الثائرة ومزاجها العام في قضية التعامل مع \"اسرائيل\" يأخذ بعداً أكثر راديكالية بعكس اتجاه حركة فتح التي تسير في خط التسوية، الأمر الذي يشكل عاملاً ضاغطاً على الحركة.
الوضع الداخلي للحركة مهلهل بشكل واضح واتجاهات القوة والهيمنة لاسيما في عنصري المال والأمن تصب لصالح تيار \"فتح الجديدة\" والمتمثلة بخط سلام فياض، وذلك على حساب القيادات والكوادر الكلاسيكية للحركة، الأمر الذي يدفع هذه القيادات لإيجاد مخارج لمحاولة استعادة فتح لمكانتها وتماسكها.
فقدان تنظيم فتح لساحة غزة بشكل كامل، الأمر الذي شكل خسارة كبيرة للتنظيم.
الأسباب المتعلقة بحركة حماس:
توفر أجواء ايجابية فيما يتعلق بالرعاية المصرية للمصالحة، حيث شكل زوال النظام المصري السابق والمنحاز بشكل واضح ضد حركة حماس، رافعة مهمة لضمان نجاح الاتفاق، لاسيما بعد الأخذ بالملاحظات والتحفظات الجوهرية على الورقة المصرية.
رغبة الحركة في استعادة نفوذها ولو بشكل جزئي في الضفة الغربية، والتخفيف على عناصرها هناك، حيث تجري عملية تصفية منهجية للوجود الحمساوي وللمقاومة بشكل عام من قبل حكومتي الاحتلال ورام الله على حد سواء في ظل التنسيق الأمني.
الرغبة في تشكيل جبهة وطنية موحدة لمواجهة سياسات التهويد واغتصاب الأرض التي يمارسها الاحتلال في الضفة والقدس.
الرغبة في اختراق المجتمع الدولي وانتزاع اعتراف بالحركة من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية، وصولاً لكسر الحصار بشكل كامل عن غزة.
استعادة اللحمة والنسيج الاجتماعي الذي اصابه التصدع جراء عملية الانقسام.
لذلك يمكن القول بأن المحاولة الحالية لعملية المصالحة الوطنية هي الفرصة الأكثر حظاً من سابقاتها من دون الإفراط في التفاؤل، ولكي يُكتب لها النجاح ينبغي أن تتوافر الشروط التالية:
القناعة الداخلية والرغبة الأكيدة من قبل الطرفين بضرورة المصالحة والتخلص من عقلية الاقصاء والأحادية.
تغليب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الحزبية والشخصية.
قدرة حركة فتح على الفكاك من الضغوط والتهديدات الإسرائيلية والأميركية، والتي بدأت مباشرة فور الاعلان عن النية للاتفاق، وهذا يشكل اختبار حقيقي على قدرة الحركة على مقاومة الابتزاز وأخذ قرارها بشكل مستقل.
قدرة الطرفين لا سيما حركة فتح على الصمود وايجاد بدائل مناسبة في حالة وقف المساعدات المالية للسلطة والمقدمة من الغرب، بالإضافة الى وقف تحويلات عائدات الضرائب من قبل \"اسرائيل\".
وضع جدول زمني واضح ومحدد لمراحل تنفيذ الاتفاق، مع الاتفاق الواضح على الأمور التفصيلية في الملفات الشائكة.
الاتفاق على مرجعية محددة للإحتكام لها في حال الإخلال بالتنفيذ أو الاختلاف على تفسير البنود، ويمكن أن تكون الصيغة من خلال تشكيل محكمة أو لجنة وطنية عليا يتم التوافق عليها أو الحكومة المصرية راعية الاتفاق أو كلاها معاً، ويمكن اشراك أطراف أخرى.
فهل يمكن هذه المرة أن تتحقق الشروط سالفة الذكر لتشكل أرضية مناسبة لنجاح المصالحة؟ هذا ما ستجيب عليه الأيام القادمة إن شاء الله.