غزة في عين العاصفة

قاصرة تلك القراءة التي تختصر المشهد في قطاع غزة بمشهد تهدئة أو صواريخ أو أنفاق تُدمر أو حصار إلى غير ما هنالك من تفسيرات ومطالعات، فما يجري على خطوط التماس في القطاع الجائع والمحاصر، ليس في واقع الحال، سوى حلقة في سلسلة متعددة الحلقات، تبدأ من غزة ولا تنتهي في واشنطن مرورا بتل أبيب والقاهرة وطهران وأنقرة وعواصم الثورة والإنقلاب والتبعية.

وضع غزة تحت الحصار يأتي في سياق رغبة أطراف العدوان والحصار في تحقيق هزيمة لمشروع العزة، و"تمديد مسار التسوية " في اتفاق إطار جديد يضغط كيري بقوة لاعتماده، وإتفاق الإطار هذا بوصفه نقطة بدء الفصل الأخير في سيناريو تصفية القضية وحماس. ولجعل حماس الصامدة في غزة عبرة لمن اعتبر ومن لم يعتبر من الإسلاميين العرب الذين تحدوا هيبة أنظمتهم وحكامهم. وتصفية الحساب مع مشروع المقاومة والثورة في ميادين التحرير والتغيير. ومن هنا تأتي محاولات سحب الغطاء السياسي العربي عن حماس وغزة، ومحاولة تصوير غزة كإقليم متمرد إلا من أصوات ضعيفة متناثرة. 

إن الانكشاف الواضح لبعض الأنظمة العربية في علاقتها بفلسطين القضية والإنسان لم يعد بحاجة لإثبات، وما لاشك فيه أن بعض العرب يساهمون في الإعداد لسيناريو محاولة إسقاط حماس وغزة. وما لا ليس خافياَ تواطؤ وتآمر ترتكبه حفنة فلسطينية للأسف في ذات السياق، وهناك من الدلائل والمعلومات وخائنات الأعين وسقطات الألسن ما يؤكد الشراكة المباشرة في محاولة إسقاط نموذج المقاومة المتبقي في غزة ليمنحوا الغطاء لوحيد القرن ليمرر من تحته مخططاتهم ومؤامراتهم.

وقد أبرزت مفترقات غزة القاسية ومحطاتها الفاصلة حالة الفرقان فكان دوراً متميزاً لتركيا وقطر وطنياً وعروبياً مشهوداً. لقد أبرزت الشعوب العربية بشكل متزايد وعيًا وثورة وتضحية فائقة، ورفعت المقاومة الفلسطينية منسوب الجرأة لدى الجميع. ولقد برزت المقاومة الفلسطينية الرائعة وعلى رأسها كتائب القسام بوجه مشرف و أثبتت أن سقف الأمة هو سقف المقاومة والثورة وليس سقف المساومة الخرق، وأن هناك مفاهيم جديدة للصراع مع الصهاينة ستثبت فيها المقاومةوالثورة أنها الأجدر لقيادة الأمة، وفي المقابل ستتعرى عروش، وستنكشف سوءات، لأن انتصار المقاومة والثورة يهدد هذه العروش ويكشف وظيفتها الحقيقية القمئة.

غزة في عين العاصفة وهي عمود خيمتنا الرئيس في مشروع الحرية للأمة والتحرير لفلسطين ومن أسس استمرار هذا المشروع القيَّمي الحضاري استقرار هذا النموذج واستمراره ومن اللازم لتحقيق ذلك مصالحة حقيقية على أساس من المصالح الفلسطينية البينة.

لا بد من الاستمرار في ملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة الذين يتحملون مسئولية الجرائم ضد الإنسانية. وعلى صعيد آخر لا بد من الاستمرار في مخاطبة الأحرار في العالم للاستمرار في حملاتهم وشرايين الحياة, وما يصاحب ذلك من إعلام منظم يوضح حجم المأساة التي يسببها الاحتلال والحصار، وكذلك المذابح التي يرتكبها قادته.

وفشل أهداف العدوان والحصار ضرورة لا تتحقق إلا بالصمود والصبر والثبات، والوفاء للشهداء والجرحى والثكلى والأرامل والأيتام وأصحاب البيوت المدمرة وبإظهار المظلومية التي يتعرض لها شعبنا الأبي. ولغزة الحق أن تجني ثمار صبرها وثباتها وصمودها بأن تكون رأس الحربة في مشروع التحرير، ولا بد من الحذر من المحاولات المستمرة للالتفاف على هذا الصمود والانتصار. 

بالتأكيد معركة غزة العزة هي معركة الأمة وهي معركة مصيرية بالنسبة للقضية الفلسطينية وحاسمة للأمة، ويجب التصرف بمسؤولية عالية، وشجاعة فائقة فالقضية أمانة في عنق الأمناء الأوفياء بعد تخلي البعض عنها، بعدما أصابهم من تهتك وتفريط وخيانة والمؤامرة كبيرة بعدما أصاب البعض من حمى العداء وفكر الاستئصال.

والله مع شعبنا ولن يتره عمله

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون