أول النصر الدماء الطاهرة العزيزة لشعب مصر

مَرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم على سمية وهي تستصرخ (وإسلاماه)، فلم يكن للرسول صلى الله عليه وسلم بُدٌّ من أن يواسيها، فقال لها: صبراً آل ياسر؛ فإن موعدكم الجنة، ومرت السنون، وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم للمكان الذي عُذبت فيه سمية فاتحاً ومحرراً وخاطباً في أعدائه بعد أن جمعهم مهانين: ماذا تظنون أني فاعلٌ بكم؟!، فردوا عليه بخطاب المهزومين: أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، فقال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء، غالبية الناس تقف عند هذه الرواية، ولا تكتمل الأخطر والتكميل في الرواية بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أضاف بعد كلماته هذه "إلا ثمانية رجالٍ، وست نساء، لو وجدتموهم معلقين بأستار الكعبة، فاضربوا أعناقهم بالسيوف"، نعم السفلة الأنذال الذين حاربوا الإسلام بخسة وانحطاط، ونافسوا إبليس في الابتكار لكل الوسائل غير الآدمية، بل إنهم شَرُّ الدوابِّ في الإيذاء والغلو في وحشية والعداء، لكن إسلامنا الحنيف رغم أنه علمنا شرف الخصومة؛ لكن مع الرجال والبشر الذين يعلمون أن هناك خطوطاً حمراء، وأن هناك مروءة ورجولة في الخصومة، لكن هل ثقافة الخصومة عند الرجال تورث كل تلك الشواهد التي نشاهدها اليوم، خاصة في مصر الكنانة؟!، نقول: لا؛ فمصر اليوم تئن من وطأة خيانة من أكلوا من خيراتها وشربوا من نيلها، إنه الاختراق حتى النخاع في الثقافة والأدب، والحياء وحتى الأمن والعسكرة، فالصهاينة باتوا اليوم أقل اضطراباً وأقل توتراً، فقد زال الكابوس الذي أَقَضَّ مضاجعهم، كابوس الإسلام، كابوس زعيم الأمة فخامة الرئيس محمد مرسي، الذي بدون حرب قد أفزع الصهاينة بكاينهم الهش، فالصهاينة اعتادوا على حكام الشعارات والخطابات الرنانة، الذين يدغدغون عواطف أُناسٍ فارغة من كل قيمة وكل محتوى، فمنذ انقلاب 1952 والشعب المصري بالعبارات الثورية، يُفرغ من كل معاني الثورة، في دولة اللادولة، فمواصفات دول فسايكس بيكو هي اللادولة، حفنة، وإن شئت فقل: عصابة مسلحة تدير هذا النموذج الكاذب للدولة التي يجب أن لا يكون سقفها الحقيقي حكم ذاتياً، وبعد ذلك فَلْيُسَمِّ المُوَكَّلون بهذا الكيان ما شاؤوا: امبراطورية، مملكة، جمهورية، جماهيرية، امارة سلطنة، هذه مواصفات الخدعة الكبرى التي ابتلعنا نحن - أمةَ العرب المهزومة المكلومة المُفرغة من الوعي - ابتلعنا طعم المؤامرة، هي مؤامرة صهيونية صليبية صلبة، لا تمزح، ولا تقبل المساس بأسسها التي عليه أقيمت "إسرائيل" من أجل الإبقاء عليها، الإبقاء على تشتيت المنطقة العربية وتمزيقها حتى لا تقوى على مصارعة مستقبل هذا الكيان وتهدده.

إنَّ الوضع المصري الحزين يؤكد كل هذه المعاني، فلا توجد إرادة للأمة العربية، خاصة مصر؛ لأن الجيل الرابع من الحروب، وهو إفشال الدولة، احتاج من أعداء أمتنا عشراتِ السنين في بناء كوادر ماجستيرات شهادات دكتوراه وهمية طبعاً، ومؤسسات داخل كل دولة تعمل بـ "الريموت كونترول"، هي والأسلحة التي بحوزة الجيوش العربية - إن كان الآن هناك جيوش -؛ لأنها ليست في الواقع أكثر من عصابات ومليشيات مسلحة تحفظ حاكم سايكس بيكو، وهي أسلحة تعمل بالشيفرة الغربية، وخاصة الأمريكية.

إن هذا السواد من المستقبل هو صنع البشر، لكن صنع الله عزوجل له شأن آخر، شعاره "إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون".(يس 82)

لهذا فقد حفظت الأمة الدرس، وعرفت أبعاد المؤامرة، وذُهِلَتْ من تعقيدها الرهيبة، لكن الأمر لن يستقيم للأبد للغرب والصهاينة في الهيمنة على المنطقة؛ لأن سنن الكون والتاريخ تقول وتؤكد صعود الحضارات وهبوطها، فالمعجزة القادمة هي المفاجأة التي ستنطلق من رحمها أمة خير الأنام من عمق النفق وظلمته، وستنعتق أمة الإسلام من عبودية نفق سايكس بيكو؛ لكن بقيادةٍ ربما سيندم من حاربوا القيادات الحالية، ويترحمون عليها؛ لأن التطرف والدماء والعنف لا تولد إلا الأعنف، والقتل والتشريد بقفازات الحرير، ودموع التماسيح، وتحت شعارات الحرية والديموقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان الكاذبة المفضوحة، سيواجه بردِّ مَنْ عشقوا حياة العزة والإباء والكبرياء على مَرِّ الحضارات والعهود، مصر أعطت الأمة النموذج الذي يجب أن يكون.

أما الدماء الطاهرة الزكية لمئات الشهداء في مجزرة المنصة، وآلاف المصابين، فستكون الشرارة التي ستبصر ملامح المرحلة القادمة القريبة؛ لأن التاريخ عَلَّمنا أن التغير الجذري يبدأ عندما يبدأ الجود بالدماء الطاهرة الزكية، يرى أعداء أمتنا فجرها بعيداً، ونراه قريباً، وإن غداً لناظره قريب.