نحن ومصر .. والمتحولون !!

news-details
أيام دراسية

(1) تجديف عكس المهنية والموضوعية

هذه من المقالات الشائكة التي أشعر بحساسية مفرطة وأنا اسجل فيها كل حرف !! لماذا ؟ أولا / لان الامور في مصر بالغة العقيد , صعبة ومتناقضة, ليس من السهل استيعابها أو الحكم عليها بموقف نهائي , وثانيا / لأنه ليس من السهل ان نصرح بكل ما يجول في خاطرنا , لأننا كمن يتحرك في حقل الغام او على حبل سيرك .

لكن ما دفعني الى هذه المقال ليس ما يجري في مصر بحد ذاتها , انما ما كتبه كثير من الكتاب والصحافيين الفلسطينيين من معلقين ومحللين , وذهبوا- بل اشتطوا - بعيدا في تحليل ما يجري وربطه بقطاع غزة وبحركة حماس . ما اذهلني هنا شيئان : الاول , سرعة التقلب والانقلاب على المبادئ والمفاهيم التي كان يتبناها هؤلاء , والثاني الانجراف مع ما تبثه وسائل الاعلام المصرية والتعامل معها كأنها حقائق دامغة , وبناء تعليقاتهم على صور ومقالات دون ان يكون هناك حد أدنى من تمحيص وعلم , ( ائتوني بكتاب من هذا أو اثارة من علم ان كنتم صادقين ) !!

ما ان جرى عزل الرئيس مرسي حتى تبدلت الاقلام وتغير الحبر !! وأصبحت الاحكام جاهزة في طرفة عين : فشل تجربة الاسلاميين ( وكأن الليبراليين والعلمانيين سجلوا نجاحات مبهرة في تاريخ الامة العربية ) .. سقوط الاخوان المسلمين ..تراجع الاسلام السياسي .. تراجع نفوذ حركة حماس .. تغير الاحلاف القديمة واستبدالها بجديدة ..تعزيز التعاون بين الامريكان والإخوان ..الخ من هذه الترهات التي تكشف عن مدى هشاشة الفكر والانحياز السياسي المسبق .

لم اجد الا القلائل الذين يتمسكون بقدسية الكلمة والمبدأ , ويصرون على ان يعالجوا كل الاحداث والتقلبات من منظور علمي واجتهاد صحافي دقيق ومهني . وللعلم فان بعض هؤلاء انتقد تجربة الاخوان وحكم الرئيس مرسي وسجل الكثير من الملاحظات الجديرة بالاهتمام ,لكنه لم يكسر قلمه بعد 30 يونيو و 3 يوليو وظل منافحا عن خط سير مستقيم , ولا يسمع بحادثة الا ويسأل ويتقصى عن صدقيتها .. انه لا يجري اينما مالت الريح ولا يلتفت حيثما يسمع ابواقا صارخة !!

(2) الاقتيات على الفضائيات والتقارير

لا اختلف مع الكثيرين ان للإخوان – كما للرئيس مرسي - اخطاء وعثرات وقلة تجربة في الحكم , لكني اختلف مع هؤلاء الكتاب - كثيرا وبعيدا - في معالجة للأزمة , غابت عنها الموضوعية والمهنية والرؤية الشمولية .

السؤال: كيف جرى تقييم التجربة والحكم عليها من حيث النجاح والفشل ؟ وأي معايير يعتمدها هؤلاء – او نصبوها لأنفسهم – لكي يدلوا للتاريخ بشهاداتهم ؟ وأين هي مصدر معلوماتهم لكي يميزوا بين الغث والسمين ويستخرجوا الدرر من اصداف البحر ؟ ام انهم لا يملكون شيئا من هذا سوى مشاركة عامة الناس في التقلب بين الفضائيات والافتيات على المقالات والتقارير , ثم الجلوس ساعة اخر النهار ( لتحويش) ما قرأوه وما جمعوه ليخرجوا لنا تحليلا فذا ؟ .

من الجيد والمهم ان تقيموا وتنتقدوا تجربة الاخوان -و حتى تجربة حماس, بصراحة وجرأة , لكن لا تظلموهم ولا تجوروا عليهم ولا تحملوهم ما لا يحتملون ..

للأسف ان البعض جار عليهم .. والبعض الاخر كذب عليهم .. وآخرون فسروا سلوكياتهم خطأ .. وآخرون ضخموا اخطاءهم حتى اصبحت اعظم خطايا التاريخ !! .. ومنهم من وقع ضحية التقارير والأخبار الكاذبة ..ومنهم كان يراوح بين المنطق والخيال السياسي ..بين المعلومة الصحيحة والشائعة المفرطة .. ومنهم من كان يتشهى الخوض في خيالات سياسية جامحة ..

اذا كان رأي هؤلاء ان الاخوان قد تعثروا في الحكم , فلماذا تناسوا – او تنكروا تماما - لما تعرض له الاخوان من تدبير ومناكفة ومحاولات إفشال.. لماذا مسحوا من المشهد –بشكل متعمد - الكثير من الزوايا والفقرات والتفاصيل .. ولماذا تعاموا عن الكثير من التقارير المهنية التي صدرت عن منظمات حقوقية ودولية .. لماذا تعاموا عن حقائق دامغة صدرت عن مؤسسات رسمية وتجاوزوا عنها , وكأنهم حلفوا الطلاق بالثلاث ألا يأخذوا بها ويصدقوها !!. لماذا لم يسمعوا من الاخوان كما يسمعوا من خصومهم ؟؟ لماذا تجاهلوا- او وبرروا للآخرين افعالهم حتى أصبحت شرعية غير قابلة للنقد والطعن ؟؟. انها العقلية الاحادية والنظارات الملونة والنفق الاحادي الاتجاه!!

لست اطلب منهم ان ينحازوا الى الاخوان أو الى غيرهم , لكن ان ينحازوا الى الحقيقة المجردة التي تختفي وتتملص من بين ايديهم تحت مبررات ومسميات كثيرة.

(3) الانقلاب على المبادئ والمفاهيم

استغربت كثيرا ممن كان يؤمن وينادي بالديمقراطية والانتخابات وبالشرعية القانونية والدستورية ويقدس صندوق الانتخابات , ان يتحول – في طرفة عين - الى معارض– بل وكافر - بهذه المفاهيم . فقط لأنه ضد الاخوان وضد حكم الاسلاميين ,فصار بعدها يمجد حكم العسكر ويعتبرها "ضرورة وطنية " , وصار يتبنى (الشرعية الشعبية ), التي لا يعرف كيف يمكن قياسها ولا الحكم عليها, باعتبارها محكما فاصلا, اما الشرعية الانتخابية فيجب ان تغيب وان تدفن !!

ان هؤلاء الذين كانوا دوما ينددون بحكم العسكر ويعتبرونه كارثيا اصبح في نظرهم جميلا ورائعا ويحمل كل معاني التحضر والمدنية والديمقراطية !!.. بل انهم ذهبوا الى ان " العسكر " يجب ان يمارسوا دورهم في تنظيف البلد من ( ظلامية الاخوان ) , وبعضهم استحضر من التاريخ تجارب جيوش فرضت الديمقراطية بقوة السلاح !!

بل ان بعض الكتاب المشهورين بدأ يتماهى ويجرى وراء الصور بان الاخوان جماعة ارهابية تخزن السلاح وتحضر لقتل الابرياء وجر المصريين الى حرب اهلية دون ان يقدم دليلا عقليا أو ماديا على صدق حرف مما كتبه . انظر ما يقوله أحد الكتاب في " الايام" (تلك "المليونيات" التي حشدتها الجماعة في كل من "رابعة" و"النهضة" وما تخللها من وضع جماهير تلك المنطقة في حالة "رهائن" وما انطوى على هذه الاعتصامات المسلحة من جرائم ارتكبتها بحق عدد من المواطنين، ، فإن ذلك يشير بشكل واضح إلى أن هذه الجماعة لا يوقفها شيء عن الوصول إلى أهدافها، بما في ذلك ترويع المواطنين وإسالة الدماء) .سؤالي: هل من دليل يثبت صحة كلامك ؟؟ عد واقرأ تقارير أكبر المنظمات الحقوقية المتواجدة في الميدان ؟؟ لماذا لم تسأل نفسك لماذا لم يجر التحقيق في مقتل مئات المصريين في الحرس الجمهوري والمنصة ؟؟ اليست الدولة ملزمة بكشف الحقيقة ؟؟ لماذا للان لم يكشف عمن قتل ال 16 جنديا ومن الذي خطف ال 8 جنود وكيف اطلق سراح الخاطفين ؟؟

ان هؤلاء الكتاب المنحازون لا يمنحون فرصة أبدا .. انها سياسة التربص !! .. انهم لا يتركونك تفكر او تدبر أمورك , ولا يكلفون انفسهم أن يجدوا لك عذرا ,ثم يطلبون منك ان تصنع المعجزات في شهر أو سنة وإلا اعتبروك فاشلا متخلفا !!.

منذ الايام الاولى للحكم بدأوا يعزفون على وتر واحد : الاخونة .. الاسلمة .. الاقصاء .. حماس والإخوان ..انحياز غزة الى مصر .. سيطرة المرشد على مقاليد الحكم !! وبدأوا في ترويج هرطقتهم السياسية وبيعها في سوق البسطاء. انهم يبدأون بضربك من الخلف على الرأس ولا ينفكون يضربونك بلا كلل او ملل.. لا يرون حسنة ولا يغفرون زلة ولا يرون مكانا لحسن نية !!

(4)أخطاء وزلات

كاتب فلسطيني بدأ يعزف سمفونية ( هبة الامريكان لنصرة الاخوان ) وبدأ يقتات من الصحف المصرية ووسائل الاعلام الهابطة ما يؤكد نظريته بان البيت الابيض والكونغرس والجيش الامريكي والبوارج الحربية تقف على أهبة الاستعداد لنصرة الاخوان المسلمين ضد ( التيار التنويري الليبرالي ) .. و(شوفوا) مفاجأة هذا الكاتب الفذ الذي يحتل كل يوم رقعة في صحيفة "الايام" (أزعم أن أياماً قليلة فقط تفصلنا عن فضائح مدوّية حول الدور الأميركي في دعم "الإخوان" وعن معرفة أسرار استماتة الأميركان على إخفاء تفاصيل هذا الدور منذ عهد الرئيس بوش الابن وحتى يومنا هذا.).. نحن ننتظر منك يا هذا ان تكشف لنا عن هذه الفضائح التي أخفيت لمدة عشرين عاما ثم كشفت الحجب عنك !!

حتى صديقي الكاتب (..) لم يتحوط للوقوع في مثل هذه الزلات القاتلة حين قال (يترتب على جماعة الإخوان في مصر أن يقرأوا الواقع بشكل جيد، فإذا كانوا يراهنون على دعم أميركي وغربي، وربما من بعض الدول العربية، فإن هذه جميعها لا تبحث عنهم،)..أين ما يثبت .. وأنت الذي كنت دائما تقول في مقالاتك بان الامريكان يشكلون عدوا للتيار الاسلامي ؟ كيف صاروا اليوم أصدقاء وحلفاء !!

(5) جور اعلامي

هناك من جاروا على حماس وعلاقتها بالشأن المصري وأصروا وحلفوا غليظ الايمان على ان حماس وضعت رجلها في الركب المصري (عنزة ولو طارت ) , وقرأت في ذلك عشرات التحليلات لكن لم اجد أحدا يستشهد بحادثة او تصريح او موقف , وصار هؤلاء كمن يكذب الكذبة ثم يصدقها .

صحيح ان حماس قصرت في قراء المشهد المصري بصورة أعمق وأشمل , وربما علقت امالا أكثر مما ينبغي, وربما كان لها بعض السلوكيات السياسية التي لم تكن مناسبة , لكن يقيني الشديد – بل معرفتي الموثقة - انها لم تفكر بتاتا بالتدخل في الشأن المصري بأي شكل من الاشكال , وأستطيع أن استشهد بالكثير من اللقاءات التي جمعت حماس بقادة المخابرات العامة والمستوى السياسي في مصر حيث لم نسمع أحدا يقول صراحة او ضمنا بان حماس لها ضلع في كل ما جرى ..فما لكم كيف تحكمون ؟؟

استطيع ان أجزم ان كل ما كتب ونشر في وسائل الاعلام المصري عن حركة حماس ليس مجرد عار عن الصحة, بل عار عن المنطق , وعار على كل من كتبه وسجله . لقد مرت حماس بمحطات قاسية وصعبة في علاقاتها الخارجية, وتعرضت الى "زلال " سياسية لكن حافظت على قواعد رئيسة تمثلت في ثلاث أركان : الاول عدم التدخل في الشأن الداخلي لاي دولة , والثاني الا تكون في جيب احد , والثالث ان تتعاطى مع الدول بقدر قربها او بعدها من القضية الفلسطينية .

لقد طردت حماس من الاردن , واضطرت لمغادرة سوريا وتعرضت لمضايقات في عهد مبارك , وحوصرت – ماليا وسياسيا- من قبل حكومات عربية , وسعت بعض الدول لاحتوائها وتطويعها, لكن حماس نجحت في تجاوز هذه المطبات بكثير من المكاسب وقليل من الخسارة , غير ان هذه الزلازل والمحن لم تضرب عمود حماس الفقري وظلت تسير على ذات النهج . وقريبا سأكتب مقالا تفصيليا حول هذا الموضوع.

انظر كيف يتخبط كاتب فلسطيني اخر ويناقض ما نفته مؤسسات رسمية مصرية وحقوقية من ضلوع حماس في اقتحام السجون او المشاركة في ميدان رابعة ويقول في صحيفة" الايام " (ربما يقدم الإخوان على تشكيل قوة داخلية، على غرار القوة التنفيذية الحمساوية. إزاء هذه الحالة فإن قوة "حماس" العسكرية والأمنية، يمكن اعتبارها قوة للإخوان، لكن المشكلة هي في كيفية استخدام هذه القوة، بشكل شرعي، وهي قوات خارجية، أي غير مصرية، هنا تبدو الأنفاق مخرجاً مناسباً، وتم تجريب استخدام بعض القساميين في فتح السجون).. هذا تجديف أرعن وتحليل أجوف لا يمت للحقيقة بصلة !!

صديقي الكاتب (...) سبح بعيد عن شاطيء الموضوعية والواقعية السياسية حين صور حماس وكأنها تلعب على سيرك سياسي وتتلهى بالقفز من تحالف لآخر, وصورها بالابن التائه الضال الذي فقد طريقه طويلا ثم عاد الى (قم) بعد جهد وعناء !! فقال ( لم نكد ننتهي من قراءة تداعيات مغادرة "حماس" للمحور الإيراني حتى فاجأتنا الحركة بعودتها إلى المائدة الإيرانية بعدما بدا أنه طلاق هادئ أكدته جملة من تصريحات مسؤوليها بانحسار الدعم الإيراني).

أضحكني هذا الخيال السياسي الجامح..أي محور هذا الذي يتحدث عنه ؟؟ وأي مغادرة ؟؟ وأي طلاق ؟؟ وهل ترى ان حماس اصبحت مثل الطفل اليتيم الذي يحبو على قدميه في صحراء واسعة , يستجدي محورا هنا ويتوسل محورا هناك .. ويخاف من " محور الاعتدال " ويرجو "رحمة الامريكان !! أين ذهبت عقولكم ؟

بعض الكتاب يذهبون مذهب الشماتة , وآخرون ينضحون كراهة سياسية غير مبررة ,, وآخرون يحكمون أهواءهم قبل عقولهم . كنت اتوقع من هؤلاء ان يكونوا اكثر رصانة وان يكون نقدهم – وان كان قاسيا- مهنيا وموضوعيا بل ان يكون هاديا ومرشدا ومصححا لا متشمتا ومتسقطا للعثرات .

لولا خشيتي من ملل القراء وطول المقال لاستحضرت العشرات من الشواهد التي تدلل ان كثيرا من الكتاب والمحللين يخطئون في تحليل المشهد المصري – جهلا أو عمدا - ويبنون احكامهم على رسومات كاريكاتورية وعلى فتات الاخبار المنشورة في الصحف , بل اتحدى ان احدا منهم كلف نفسه ان يتحرى عن معلومة أو يتقصى عن حادثة.

ان هذا الواقع المعقد لا يحتاج الى من يزيده تعقيدا ..نريد ان نخلق ثقافة النقد البناء ونهدم ثقافة الشماتة والتربص والكراهة السياسية غير المبررة ... نريد ان نحيي روح البحث عن الحقيقة والمعلومة ونتعب من اجلها , لان المعلومات التي تصلنا من الجرائد والفضائيات غالبا ما تكون ملوثة ومشبعة ببهارات التضليل والتضخيم والتهويل .. فقط نريد الحقيقة لا اكثر .. سواء كانت الحقيقة مع الاخوان أو ضدهم .