الفرصة التاريخية للقوى الاسلامية
من خلال المتابعة والتحليل للتطورات الدراماتيكية الحادثة في المشهد المصري، ودخول البلاد في أزمة بالغة التعقيد، وما يجري من محاولة الانقضاض على الثورة بلباس الثورة نفسها، يمكن تسجيل العديد من الملاحظات على هذا المشهد، وبالتالي محاوله الوصول لخلاصة محددة:
- قوى المعارضة المصرية في جلَها لديها رفض مبدئي لكل ما هو اسلامي بغض النظر عن التفاصيل.
- هذه المعارضة تتخندق وراء المجموعات التي رفعت شعار "تمرد" وهذا الشعار غير دستوري وغير قانوني، ويعتبر خروج عن الشرعية.
- من يقود حركة التمرد والاحتجاج الواسعة تنظيماً وتخطيطاً وتمويلاً بشكل رئيس هم فلول النظام البائد، مستخدمين أدواتهم التقليدية من استخدام العنف وقطعان البلطجية وتوظيف الاعلام الفاسد.
- محاولة اجهاض الثورة في مصر خصوصاً والثورات العربية عموماً، أو على الأقل افراغها من مضمونها، ليس جهداً محلياً فقط بل يدخل في اطار توجه ورغبة ودعم دولي واقليمي، وعلى رأس الداعمين لذلك الولايات المتحدة واسرائيل وروسيا والغرب، والنظام العربي التقليدي ومن ضمنه دول خليجية محددة، (والذي يدخل فيما يسمى بمحور الاعتدال)، بالإضافة الى ايران وأتباعها وحلفائها، كل ذلك في محاولة لإعادة منظومة التوازن في المنطقة لصالح هذه الأطراف.
- القوى الاسلامية التي تُتهم عادةً باستخدام العنف، في الحقيقة هي التي تقع ضحيته، سواء من قبل قطعان البلطجية المدفوعين من فلول النظام الساقط ومرتزقته خلال الأشهر الماضية، أو من قبل النظام نفسة عبر سنوات من الإقصاء والسجون والإعدامات.
- هذه القوى خسرت كل جولات التنافس الحر والنزيه من انتخابات واستفتاءات خلال فترة ما بعد الثورة، وعليه فإنها لم تمتلك الأغلبية في أي وقت من الأوقات كي تفرض ارادتها على الجميع.
- رفض قوى المعارضة للتجربة الديمقراطية واجهاضها من مهدها، والتي لطالما نادت بها ونظًّرت لها، ورَفض كل افرازاتها ونتائجها، طالما أنها لا تأتي بما يشتهون، حيث المطلوب ديمقراطية مفصلة على المقاس، كما هو الحال في نظرة الغرب لديمقراطيتنا.
- ينبغي عزل قطاعات ليست بالقليلة من المحتجين والمعارضة الشريفة والسلمية، والتي لها مطالب وحقوق مشروعة، لم تنجح حكومات ما بعد الثورة بما فيها حكومة الرئيس مرسي في تحقيقها، لأسباب منها ما يتعلق بالقصور الذاتي ومنها ما هو خارج عن القدرة والارادة والامكانات، ينبغي عزل هذه القطاعات عن قوى الفلول والمعارضة الانقلابية، بأساليب وقرارات حكيمة.
- لا ينبغي اغفال أن الأقباط شاركوا بكل ثقلهم في موجة الاحتجاج الحالية ضد شرعية الرئيس مرسي، وبتوجيهات مباشرة من الكنيسة، مدفوعين بحملات التشويه والاسلام فوبيا.
- ما يجري بكل وضوح يهدف بالدرجة الأولى الى استعادة النظام المخلوع والذي لم يسقط منه عملياً الا الرأس فقط، أو استعادة حكم العسكر بالدرجة الثانية، وإن لم تتحقق هذه المآرب فالفوضى العارمة وادخال الوطن في دوامة الفوضى والعنف وافشال الدولة هي البديل الثالث.
- نزول القوى الاسلامية خلال الأيام الماضية، سيما يوم أمس الثلاثاء، بهذه الكثافة والزخم، قوَّضَ الى حدٍ بعيد فُرص الانقلاب على ارادة أغلبية الشعب، وفرَضَ واقعاً لا يمكن تجاوزه في أي معادلة مستقبلية للتسوية، بل يمكن أن تشكل حالة الحشد عاملاً حاسماً للخروج من الأزمة، في حال مضاعفة هذه الحشود واستمراريتها والحفاظ على سلميتها، وضم قطاعات عريضة من الجماهير، بالإضافة الى النقابات والتجمعات الشعبية.
هذه القوى المعارضة بتحالفها مع فلول النظام السابق، الذين أفسدوا الحياة السياسية وأفسدوا الوطن بشكل عام، ويحملون عداءً مطلقاً لمخالفيهم، ويريدون أن يجهضوا الثورة ومكتسباتها، وينقلبون على الشرعية الدستورية، ويُدخلون الوطن في حالة من الارباك والفشل المخطط، وهو ما يشكل خطراً بالغاً على الأمن القومي للوطن، في مشهد شديد العبثية والعدمية.
لذا فإنه ينبغي على كافة القوى الاسلامية والوطنية التوحد والتكاتف في هذه اللحظة الفارقة، والاستمرار في النزول بأقصى طاقة ممكنة من الحشد الشعبي والجماهيري، الأمر الذي يشكل ضغطاً هائلاً على أطراف اللعبة السياسية وعلى رأسها الجيش، للتجاوب مع الحقوق الشرعية، بل وفرض ارادة الأغلبية، والاستفادة من الفرصة التاريخية التي قد لا تتكرر، وتصحيح المعادلة التي فرضتها هذه القوى الانقلابية، كي ينقلب السحر على الساحر، فيستقيم أمر هذا الوطن العزيز وتستمر الدولة، فضياع هذه الفرصة قد يعني عقوداً جديدة من الذل والاستعباد.