ثورة مصر تنزف دمًا استعدادًا لميلاد الكرامة

يتابع كل حرٍّ طامح لإقرار العدالة والكرامة في البلاد العربية، يتابع ما يجري في مصر الكنانة بكل تفاصيله، لأن ما يجري في مصر لا يخص سكانها فقط، بل إن ما يجري في مصر يعني كل المسلمين الحريصين على مصلحة الأمة، في شرق الأرض وغربها، فمصر ليست كغيرها، مصر هي الماضي والحاضر وهي المستقبل كذلك، ولكنها لن تخرج عن السنن التاريخية في تغيير السلطات .

وقد ظنَّ البعض أن مصر بعد الإضاحة بالرئيس المخلوع \"اللامبارك\" ، ظنوا أن الأمر قد انتهى، وآن الأوان لمصر أن تنهض وتنمو وتزدهر، وجاء الوقت لقيادتها أن تفكر في الاسراع في استخراج الشعب المصري من براثن الجهل والفقر والمخدرات والفساد وقائمة الهم والغم تطول، وقد كنا يعلم الله نحب للشعب المصري أن يسرع في الاستجابة لدعاة الإصلاح والتغيير، ولكن يظهر أن الكرامة لا تُولد إلا من رحم المعاناة كما يقولون .

ومصر ليست بدعًا من الدول، فإن سنة تداول السلطة بين الأفراد والجماعات ينطبق عليها قول الله عز وجل { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فالآية توضح أن الملك يا يُوهب هبة ولا يُعطى عطية، وإنما ينتزع انتزاعًا ممن أوتيه من قبل، والتاريخ ينبئنا أن الممالك والسلاطين هذا هو حالها .

والأنباء المذاعة علنًا تخبرنا عن أصحابها، أنهم يخططون لإزالة حكم الإخوان وإنزال الرئيس مرسي عن منصة الحكم، وأنهم يجهرون بصناعة أمريكا لهم، وبعضهم من فلول النظام بلا ريب، لكنه يحاول أن يركب الموجة، وبعضهم قبض ليقول لكل شيء: لا ، وبعضهم دفع الأموال ونشر السلاح وزجَّ بشبابٍ موتور من مرتكبي الجرائم وأصحاب الأسبقيات، زجَّهم في منتصف الميادين، وجعل ثمنَ إغلاق ملفه الجنائي: القتل والإصابة والتخريب والحرق والتدمير، بل وبالغ أحدُ([1]) كبارِ مجرمِيهم أنهم الآن ينفذون خطة إسقاط حكم الإخوان في غضون شهرين متتالين في كل من: مصر، وليبيا، وتونس، واليمن، والمغرب، وفلسطين، فالخطة قد أُعِدَّت والمشرفُ عليها خبراءُ فرقِ الموتِ من أمثال: أحمد شفيق المصري الهارب، ومحمد دحلان الفلسطيني الهارب .

وقد رأينا وسمعنا بعضًا من الراغبين في الهدم والتدمير، يتحدى الحكومة والرئيس والشعب، ويصرح بأنه لن يقبل أي شيء –ولا الحوار- حتى يستقيل الرئيس والحكومة معه، ورأينا وسمعنا من يقف في الميدان مطالباً بإسقاط حكم المجلس العسكري ووصاية المرشد ! ورأينا وسمعنا من نزل للحرق والتدمير بل والقتل، وكل هذا بالصوت والصورة، فما أبقت الكاميرا لمجرم سترًا، وقبل أيام فقط تم مواراة 6 من شباب الإخوان المسلمين الثرى، وقريبًا من الألف مصابًا، هذا بجانب العدد الكبير من مقرات جماعة الإخوان المسلمين التي حرقت على أيدي البلطجية المأجورين .

ومع حزننا لما يحدث في مصر في هذه الأيام غير أنا مطمئنين والحمد لله سبحانه، فعجلة المد الإسلامي لن ترجع للوراء، وقد آن الأوان لأبناء الحركة الإسلامية أن يرتاحوا من ظلم الظالمين في الدنيا والآخرة إن شاء الله، ووعد الله للطائفة المؤمنة بالتمكين لا زال قائمًا، وتباشيره بفضل الله لاحت في الأفق وبدأنا نلمسها في الكثير من الساحات والميادين، وإن ما يحدث اليوم في مصر من نزع للسلطة من سارقيها ومغتصبي إرادة الأمة، هو المتعارف عليه واقعًا وتاريخًا بل ولا أبالغ إن قلت شرعًا، وها هي قريش حين اقتلع النبي صلى الله عليه وسلم جذور الكفر فيها أخذ مدة من الزمن طويلة، تضمخت هذه الفترة بدماء الشهداء وأنات الجرحى، وفي المقابل شوهد في الفترة ذاتها صلابة وعنادًا واستكبارًا وعلوًا وتمسكًا بالحكم الجاهلي، حتى قدموا في سبيل بقاءهم على الكرسي فلذات أكبادهم ومهج قلوبهم، وما دالت دولة جاهليتهم إلا بمعارك دامية وحروب طاحنة ومواجهات عنيفة حتى { جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } .

وفي تاريخنا الآني المعاش، ما زال حكمُ الطاغية المتكبر في تونس \"زين العابدين\" ومثله معتوه الحكام في ليبيا \"القذافي\" ومثله جاهل اليمن \"على عبد الله صالح\"، ما وزال حكم هؤلاء إلا بدماء وشهداء وتضحيات وفداء، من أجل نيل الحرية والكرامة والنهضة المرجوة المنشودة لهذه البلاد أو تلك، وباقي دول الطغاة على الأثر بإذن الله ، فالشعوب قد عرفت الطريق ولن تحيد عنه ولو كلفها ذلك الكثير ...

وللحُرِّيةِ الحَمْرَاءِ بَابٌ ... بكلِّ يدٍ مُضَرجةٍ يُدَقُّ

فنزف الدم اليوم من ثورة ال25 من يناير المصرية يؤذن بتمام ميلاد الكرامة والسيادة الكبرى للعشب المصري الأبي، بعد غياب قصري لعزتهم وكرامتهم دام أكثر من 50 عامًا، ونزف دمهم اليوم على أيام متواصلة هو الثمن الطبيعي لكل أمة تسعى لنيل كرامتها وامتلاك قرارها، ولئن امتلأ قلبنا حزنًا بفراق بعضٍ من شباب جماعة الإخوان المسلمين :

· فوالله لن يطول الزمان حتى تزغرد الأمهات والزوجات على ثمار الدم الزكي .

· ووالله عبر دمائهم للتبوأن مصر مكانتها الطبيعة الرائدة بين الدول العربية والإسلامية .

· ووالله ليسيرن الشاب المصري في مصر كلها دون خوف من أمن الدولة والمخابرات .

· ووالله ليعلون في مصر كلها صوت الحق والقوة والحرية، المنادي بإسلامية مصر كلها .

· ووالله لن تذهب دماء شهداء المشروع الإسلامي هدرًا .

وختامــــًـــا : نتمنى لمصر أن تكون ساحة للأمن والأمان، وألا يطول زمن شدتها، وأن تنقشع عنها غبار الجاهلية الثانية، وأن يسرع لها الخير والبركة لتستعيد عافيتها وريادتها بين الدول، وإنه والله لقريب وإن ظنه الناس بعيدًا ، ولعاجل وإن اعتقده البعض آجلًا ، وإنه لجهادٌ جهاد نصرٌ أو استشهاد