وتتهاوى عروشهم تباعاً

ويتتالى سقوط عروش الظالمين تباعاً، سقط القذافي الذي كان يحكم بلا نظام، بعد أن ملأ الدنيا ضجيجاً وصراخاً بشعاراته الثورية الجوفاء، ونظرياته العبثية، فقد تحققت دعوته للملايين الزاحفة لتطهير ليبيا \"شبر شبر\" لكنها كانت عليه لا له.

اللافت في سلوك الشخصيات الحاكمة العربية أنهم لا يعتبرون ولا يستفيدون من مصير من سبقهم, فلا هم قرأوا سنن التاريخ ولا استوعبوا دروس الحاضر، ولا تكاد تجد فيهم رجل رشيد. فكلما قامت حركة احتجاج طبيعية سلمية لا تهدف الا الى تصحيح أوضاع خاطئة، سقفها المطالبة بإصلاحات حقيقية للنظام الموجود، تجدهم وعلى الفور يُخرجون دباباتهم وآلات قمعهم لتُعمِلَ في الشعب تقتيلاً وتنكيلاً – بالطبع هذا هو الاستخدام الوحيد لهذه الأسلحة في سُنَّة الحاكمين العرب - وتبدأ أبواقهم الاعلامية المقيتة لتبث في الناس رواياتها المعهودة والمكررة بشكل غبي ومعيب، فيسيل الدم في الشوارع انهاراً، وعندها يجد الحاكم نفسه وجهاً لوجه ضد شعبه.

الشعب حينها تتحول القضية لديه الى قضية ثأر وانتقام، وتستفحل العداوة بينه وبين حاكمه، بفعل القتل والتنكيل والتنكر لأبسط مطالبه وحقوقه، بل اتهامه بالتآمر والتواطؤ مع القوى الخارجية وهكذا دواليك، فتتحول مطالبه الى اسقاط النظام بدلاً من اصلاحه. فمثل هذه الأنظمة لا يمكن اصلاحها، فقد فات الأوان منذ أمد بعيد – هذا في حال كونها كانت قابلة للإصلاح أصلاً – وذلك بفعل التقادم في طريق الانحراف، حتى باتت مظاهر السلبية من فساد وترهل وتدهور في كل المجالات، وانحطاط حتى في القيم أصلاً متأصلاً، بعدما كانت ظاهرة بسيطة يمكن معالجتها واستدراكها لو نُوِيَ ذلك. فتجد الأنظمة تسارع في رفع شعارات الاصلاح _ اعلامياً فقط – في محاولة يائسة لتضليل الرأي العام الخارجي فقط، أما الداخلي فليس له الا الدبابات والقبضة الأمنية الهمجية والعمياء.

وحيث أن الحكام العرب في جلهم فاسدون ومستكبرون ومتجبرون ولا يعتبرون، ويكررون نفس السيناريوهات المقيتة في التعامل مع أي احتجاج أو رأي مخالف، وأن الفساد أصبح جزءاً أصيلاً من أنظمتهم البائسة ودولهم الفاشلة، فعلى الشعوب التي لم تنتفض بعد إن هي أرادت لنفسها الحياة، أن تبدأ في التحرك للتحرر من قيود العبودية والذل كما بدأ الذين من قبلهم، فالحرية لا تُعطى هدية ولا مِنَّة من أحد، بل تُنتزع انتزاعاً، وقد يكون في نزعها نزع الروح من جسد النظام الفاسد.

في ظل هذه المرحلة المميزة من تاريخ الأمة، تتجلى أمامنا حقيقتان، الحقيقة الأولى أننا نَشهد ولادة انسان عربي جديد، يمتلك روحا ثورية غير مسبوقة في العصر الحديث، متحررة من عقدة الخوف مع ارادة حقيقية للتغيير، بعدما حدث تغير عميق في القناعات وبالتالي تغير في السلوك، حيث اتسعت لديه مساحة الوعي الايجابي المؤدية الى الفعل المُنتج، \"إنَّ اللهَ لا يُغيرُ ما بِقومٍ حتى يُغيِّروا ما بِأنفُسِهِم\".

والحقيقة الثانية هي زوال اسطورة القوة والهالة المصطنعة حول عروش الظلم والاستبداد، فلم تعد سائدة تلك الصورة النمطية عن مَنَعَة هذه الأنظمة واستعصائها على الكسر أو الزوال، هذه الأسطورة تَشكَّل بها وعي الناس بفعل القبضة القمعية وحكم دولة المخابرات، والتي كانت تساندها بعض المقولات الدينية المسخرة لخدمة الحاكم والابقاء على سلطانه بدواعي وجوب طاعة ولي الأمر.

فتوالي سقوط عروش الأنظمة الحاكمة بالقليل من الجهد والوقت والتضحيات – نسبياً – يؤكد أن هذه العروش هي عروش متصدعة مهترئة قد أصابها الخَوَر والضعف، وتحتاج فقط الى القليل من الحركة والفعل من قِبَلِ الشعب كي تتهاوى وتسقط الى الأبد بحول الله وقوته، \"أدخلوا عليهم البابَ فإذا دخلتموه فإنكم غالبون\". والله تعالى أعلم