بقلم/ إياد القرا
حالة من السُعار أصبحت عليها بعض الأمتين العربية والإسلامية تجاه إقامة علاقة تطبيعية مع الاحتلال الإسرائيلي، وفي غالبها خرجت للعلن بعد سنوات من العلاقات السرية بين الجانبين، والتي كانت آخرها زيارة الرئيس التشادي إلى الكيان، وسبقها زيارة رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو إلى عُمان.
ملف التطبيع الأسود بين الاحتلال والدول العربية والإسلامية، يزداد تعقيدًا مع استمرار الاحتلال في سياساته العنجهية ضد الشعب الفلسطيني، وفقدان المبرر الذي كانت تقدمه بعض الأنظمة، بأنها بذلك تساعد الفلسطينيين في الصمود، وأن التطبيع يأتي في سياق أنه لن "نكون ملكيين أكثر من الملك"، بعدما وقّعت منظمة التحرير على الاعتراف بالاحتلال.
المبرران السابقان لم يعودا قائمين بسبب استمرار جرائم الاحتلال، وأن الاحتلال لا يرى في السلطة سوى "سلطة وظيفية" تقوم بدور إدارة محلية مدنية للفلسطينيين، وتحكمهما علاقة التنسيق الأمني، وكل ذلك لا يعفي تلك الدول من المسؤولية، بالتخلي عن الانتماء العروبي والاسلامي ، وبالتالي عن القضية الفلسطينية.
الإشكالية التي ينبع منها سُعار التطبيع هو اعتقاد بعض تلك الأنظمة الحاكمة أن الاحتلال هو المخلص لمشاكلهم وعزلتهم الإقليمية والدولية، وأن العلاقات مع الاحتلال ستجلب لهم انفتاحًا ودعمًا من الولايات المتحدة والغرب، وهم واهمون بذلك، وأمامهم نماذج عديدة خلال السنوات الماضية، بل إن الاحتلال لم يرعَ حرمة لتلك الدول واخترقها عبر شبكات تجسس، وبيع أراضٍ، والتدخل أمنيًّا وعسكريًّا.
السلطة الفلسطينية التي لعبت دورًا سلبيًّا في التطبيع بإحضار مؤسسات وشخصيات عربية وإسلامية للتطبيع المباشر مع الاحتلال، تحت مبرر دعم القدس والصمود الفلسطيني، وسرعان ما يتحول هؤلاء إلى أبواق تعمل لصالح الاحتلال، ويدعو بعضها للعدوان على الشعب الفلسطيني.
هذه الموجة العابرة من التطبيع لن تصمد كثيرًا لأسباب عدة، منها: أن هذه الأنظمة مصيرها الانهيار والفشل، لأنها لا تعبر عن شعوبها، وأن الإرادة الشعبية هي الحامية للقضية الفلسطينية، والتي يقع عليها دور مهم في هذه المرحلة بوقف التطبيع ومقاومته، كما يحدث الآن في السودان وكذلك تشاد، ومواجهة ذلك.
قد ينجح نتنياهو في استغلال الظرف الإقليمي في تعزيز العلاقات مع بعض الأنظمة التي تعاني في هذه المرحلة من عزلة ومطاردة، بزيارتها لتزويد بعضها بالمعلومات الأمنية والعسكرية، وفي مقدمتها بعض دول الخليج، تحت مبرر مواجهة إيران التي حاول الاحتلال تحويلها لعدو مصطنع عبر تزويد تلك الأنظمة بمعلومات عنها، ودورها في المنطقة، أو حتى مواجهتها في سوريا، ليبدو الاحتلال هو السوبر أمنيًّا في المنطقة، لتعزيز العلاقات مع تلك الدول.
رغم ذلك فإنها ستكون موجة عابرة ستنتهي قريبًا، عندما ترى تلك الأنظمة والشعوب أن الاحتلال مجرد بالون منتفخ في المنطقة تسدّد له الضربات ويراكم الفشل كما يعترف بذلك كتّابه ومحلّلوه خلال السنوات الأخيرة، ليبدو أن الأنظمة المطبّعة جاءت تطلب ودّ الاحتلال في خريفه.