لماذا كَشفت إسرائيل فَجأةً عن قَصفِها لقاعِدة “الكبر” النوويّة المُفتَرضة في شَمال شَرق سورية؟ وإذا كان هذا الكَشف رسالةً إلى إيران هل يُعطِي مَفعولَهُ ويُرهِبها؟ وكيف سَيكون الرَّد الإيراني؟ وهَل تُحضِّر أمريكا وإسرائيل لحَربٍ قادِمة؟
بعد 11 عامًا من الصَّمت، اعترف الجيش الإسرائيلي رسميًّا بمَسؤوليّته عن غارةٍ نفّذتها ثَماني طائِراتٍ حَربيّة من طرازيّ “إف 15” و”إف 16″، واستهدفت مُنشأةً في مِنطقة “الكبر” قُرب مدينة دير الزور شَمال شَرق سورية، قالت أنّها كانت تَأوي مَفاعِلاً نوويًّا تُطوِّره دِمشق سِرًّا بالتّعاون مع خُبراء من كوريا الشماليّة.
الحُكومة السوريّة نَفت الرواية الإسرائيليّة، أو الجُزء المُتعلِّق مِنها بطبيعة هذهِ المُنشأة، وأكّدت أنّها كانت جُزءًا من قاعِدة عسكريّة مَهجورة، ولكنّها لم تَنفِ حُدوث الغارةِ نَفسِها.
توقيت الكَشف الإسرائيلي عن هذهِ الغارة التي وَقعت في أيلول (سبتمبر) عام 2007، ووثائِق وصُور مُتعلِّقة بِها أثار العَديد من التكهّنات وعلامات الاستفهام في الوَقت نَفسِه يُمكِن إيجازها في النُّقاط التَّالية:
أوّلاً: تَوجيه إنذار “مُبطَّن” إلى ايران تقول مُفرداته أنّ مُفاعلاتِها وبرامِجها النوويّة قد تكون هَدفًا لغارات ومُماثِلة ربّما وَشيكة، وأفصَح عن ذلك يسرائيل كاتس، وزير الاستخبارات عندما قال في تَغريدةٍ له على “التويتر” “أن هذهِ الغارة هي رسالةٌ بأنّ إسرائيل لن تَسمَح لدُول تُهدِّد وجودها مِثل إيران بامتلاك السِّلاح النَّووي”.
ثانيًا: تتواتَر تقارير عِدّة تُفيد بأنّ هُناك اتّفاقًا سِريًّا جَرى التوصُّل إليه بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارته أثناء زِيارة الأوّل (نتنياهو) الأخيرة لواشنطن قبل أسبوعين يَقضي بِرَفع مُستوى التَّهديد بِتَوجيه ضَرباتٍ لإيران، وسورية أيضًا بعد الإلغاء المُتوقَّع من قِبَل ترامب للاتّفاق النووي في أيّار (مايو) المُقبِل.
ثالثًا: أن هذا الكَشف يأتي في إطار الحَرب النفسيّة التي تَشُنّها إسرائيل ضِد حِلف المُقاومة، وللتَّغطية على عَجزِها، ورغم تَهديداتها الكَثيرة، عن القِيام بأيِّ عَملٍ عسكريٍّ حقيقيٍّ وفاعِل في سورية ولبنان بعد إسقاط طائِرتها من طِراز “إف 16” بصاروخٍ سوريٍّ من صُنعٍ روسيّ.
اللافت أنّه ومُنذ إسقاط هذه الطَّائِرة الإسرائيليّة يوم العاشِر من شباط (فبراير) الماضي، لم تَجرُؤ القِيادة الإسرائيليّة على شَنْ غاراتٍ في سورية أو لبنان، خَوفًا من إسقاط طائِرة أو طائِراتٍ أُخرى، حيث اتّخذت القِيادتان الروسيّة والسوريّة قرارًا بالتَّصدّي لأيِّ غاراتٍ إسرائيليّة، وتردَّدَت أنباء بأنّ الدِّفاعات الجويّة السوريّة باتت تَمْلُك صواريخ مُتقدِّمة جِدًّا يُمكِن أن تُحقِّق مُفاجآت في هذا المِضمار بضُوءٍ أخضرٍ روسيّ.
الرِّسالة الإسرائيليِّة وما تَحمِله من تهديدات لن تُخيف إيران، لعِدّة أسباب أبرزها أنّها سَتَرُد بِقُوّة على أيِّ عُدوانٍ إسرائيليٍّ يَستهدفها، وأن مُفاعِلاتها النوويّة مَبنية في مُعظَمها في عُمق جِبالٍ شاهِقة، مِثل مُفاعل آراك قُرب مدينة قُم، ومَحميّة بصَواريخ مُتطوِّرة.
ما كان يَحدُث في الماضي، وبالتَّحديد عندما قصفت الطائرات الإسرائيليّة مَعمل تموز (أوزيراك) النَّووي العِراقي عام 1981، أو مَعمل الكبر السوري عام 2007، إذا صَح أنّه كان مُفاعِلاً نوويًّا، لا يُمكِن أن يتكرّر اليوم، لأن هذا العُدوان في حال حُدوثِه قد يُشعِل حَربًا إقليميٍة وربّما عالَميّة، لأن الرَّد الإيراني ربّما يكون مُزلزِلاً بإطلاق آلاف الصَّواريخ لقَصف العُمق الإسرائيلي من سورية ولبنان وإيران نفسها.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي من المُحتَمل أن يكون قد تَوصّل إلى معلوماتٍ من خِلال أجهزة استخباراته حول النَّوايا والخُطط الأمريكيّة والإسرائيليّة لتَوجيه ضرباتٍ إلى سورية (دِمشق تحديدًا) ولبنان وربّما إيران، أكّد أن بِلاده ستَرُد بقُوّة على أيِّ عُدوانٍ نوويٍّ تتعرّض لها بِلاده، أو أي من حُلفائها، كما أن وزير خارجيّته سيرغي لافروف قالها بكُل صراحة ووضوح أن أي عُدوان على دِمشق يُشكِّل خَطرًا على أرواح المُستشارين العَسكريين الرُّوس وسَيتم الرَّد عليه بِشَكلٍ غير مَسبوق.
إسرائيل تتخبّط، وتعيش مأزقًا وجوديًّا، وباتَت تُدرِك جيّدًا أنّها لا تَملُك اليَد العُليا عَسكريًّا في المِنطقة، ولم تَعُد تُخيف مِحور المُقاومة، وتَشعُر أنّ هذا المِحور بات يَمتلِك أمرين مُهمّين، الأوّل الإرادة القويّة بالرَّد عليها، والثاني امتلاك أسباب القُوّة العَسكريّة القادِرة على الرَّدع.
لو كانت دولة الاحتلال الإسرائيلي قادِرة على تَدمير البرامِج والمُفاعِلات النوويّة الإيرانيّة لفَعلت ذلك قبل عِشرين عامًا، ولكنّها “مَرعوبة” من رَدّة الفِعل الانتقاميٍة، والخَسائِر الكُبرى، الماديّة والبشريّة التي ستتكبَّدها.
من يُريد أن يَضرِب لا يُكبِّر حجره، ولا يَلجأ للتَّهديدات والتَّسريبات، ويُغرِق في الحديث عن أفعاله في الماضي مِثل العجائِز، أو هكذا نَفهَم في هذهِ الصَّحيفة “رأي اليوم” الاعتراف الإسرائيلي بِقَصف مُنشأة “الكبر” في مِنطقة دير الزور، وفي مِثل هذا التَّوقيت بالذَّات.
“رأي اليوم”