خلال ندوة نظمها معهد فلسطين للدراسات
خبراء: قرار الخصم من رواتب موظفين غزة يعتبر تمييزاً عنصرياً وجريمة دستورية.
أكدت مجموعة من الخبراء والمختصين على أن قرار السلطة بخفض رواتب موظفيها بغزة هو قرار مخالف للدستور والقانون الفلسطيني، وما تقوم به حكومة الحمد الله من خطوات بتوجيهات مباشرة من أبي مازن؛ هي خطوات انفصالية عن قطاع غزة، كما أنها تتساوق مع الحصار والضغوط الهائلة التي يتعرض لها القطاع, عقاباً لتوجهاته المقاومة وتمسكه بالثوابت. كما أن هذه الاجراءات تؤكد على وجود مشروع إقليمي دولي بمشاركة فلسطينية وأمريكية وصهيونية تسعى لفرض تسوية للقضية الفلسطينية برؤية صهيو- أمريكية.
وأوصى الباحثون الفصائل الفلسطينية وخاصة حركة حماس بعدم التساوق مع مشاريع ومطالب أبي مازن، وأن على الرئيس عباس التراجع عن هذا الاجراء غير الدستوري وغير القانوني وغير الشرعي, وإقالة هذه الحكومة وتشكيل حكومة وحدة وطنية واجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وانتخابات للمجلس الوطني لإنقاذ مشروعنا الوطني. وأنه ينبغي على كل من تضرر من هذا القرار وطاله الخصم؛ التوجه إلي محكمة العدل في رام الله للطعن في القرار وكذلك إلى القضاء الدولي, واصفينه بالقرار الظالم والمجحف والمخالف للقانون الأساسي وقانون الخدمة المدنية.
جاء ذلك خلال ندوة نظمها معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية بعنوان "خلفيات وتداعيات قرار السلطة بخفض رواتب موظفيها بغزة" في مقره في مدينة غزة, بحضور لفيف من الخبراء والمختصين والباحثين. وقد تناولت الندوة ثلاثة محاور أساسية، الأول: التداعيات السياسية للقرار, تحدث خلاله د. أسعد أبو شرخ، والثاني: التداعيات الاقتصادية وتحدث عنه د. وائل الداية، أما المحور الثالث فتركز حول سبل التصدي للقرار ومواجهة تداعياته, مع المتحدث أ. عمر شعبان.
وقد أجمع المشاركون على أن القرار هو سياسي بامتياز, وأن جميع مبررات الحكومة التي عزت القرار لوجود أزمة مالية غير مقنعة, كما أن المسؤول الأول عن القرار هو الرئيس ابو مازن شخصياً, لإغراق غزة - التي تعتبر معقل الثورة والمقاومة - بالأزمات, وتساوقاً مع مشاريع تصفية القضية الفلسطينية.
فمن جهته قال د. أسعد أبو شرخ : أن قرار الخصم هو اعلان عن معركة بين غزة والضفة الفلسطينية، وهذا تمهيد للخطوة القادمة لإحالة جميع موظفي قطاع غزة إلى التقاعد المبكر، ويبدو أن هذه المعركة هي التي ستحول الانقسام إلى انفصال, حيث سيترتب عليها آثار كارثية على كل الصعد، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والاستقرار الأمني والوظيفي, وهذا واضح من تهديد عباس بالقيام بإجراءات أخرى ضد قطاع غزة .
وأشار أبو شرخ أن هذه الخطوة بحق موظفي غزة وعدم مساواتهم مع موظفي الضفة الفلسطينية ستؤدي إلى تعميق التمييز بين أبناء الوطن الواحد, وكأن السلطة الفلسطينية تريد نفض يدها من قطاع غزة بالكامل، وهو ما يعني تدمير ما تبقى من طبيعة العلاقة الفلسطينية بين أبناء الشعب الواحد, وترسيخ التمزق السياسي والاجتماعي والتسبب في ضياع فلسطين, وهذا ما يسهل تنفيذ الخطط الصهيونية الرامية لإنهاء القضية الفلسطينية وتحويلها الى قضية انسانية اقتصادية وليس قضية سياسية كما يريد رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو.
وأوضح بأن المرحلة القادمة خطيرة على قضيتنا الوطنية ولن يتوقف الأمر عند تقليص رواتب الموظفين بنسبة 30% أويزيد وإحالتهم للتقاعد المبكر "القسري"، بل سيكون هناك محاولات أخري لفرض واقع جديد على أبناء شعبنا الفلسطيني الصامد.
من جهته، قال د. وائل الداية أن السلطة الفلسطينية تدعي أنها تعاني من أزمة مالية، لكن في حقيقة الأمر هذا أدعاء غير منطقي وغير صحيح, والأرقام تثبت عكس ما تقوله حكومة الحمد لله، والدليل ما صرح به وزير المالية شكري بشارة في 18 يناير 2017م عبر وكالة "وفا" أن سد العجز في الموازنة العامة يحتل أولوية لدى الحكومة، مشيراً إلى أنها حققت نجاحا كبيراً في هذا المجال، بخفض العجز الجاري بمقدار النصف تقريباً بين عامي 2012 و 2016م.
ولفت الداية إلى نمو كبير ومطرد قد حصل في إيرادات السلطة الفلسطينية سواء المحلية أو عائدات المقاصة مع الكيان الصهيوني, حيث ارتفعت الجباية المحلية المباشرة من 150- 170 مليون شيكل شهرياً في العام 2012، لتصل إلى 250- 270 مليون شيكل شهرياً في العام 2016م، كما ارتفعت عائدات المقاصة خلال نفس الفترة من حوالي 400 مليون شيكل شهرياً إلى حوالي 700 مليون شهرياً.
وأضاف الداية إلى أن السلطة الفلسطينية تسعى إلى رفع عائدات المقاصة إلى 800 مليون شيكل شهرياً, والإيرادات المحلية إلى 350 مليون شيكل, علماً بأن نحو نصف هذا المبلغ يتم تحصيله من قطاع غزة.
وفي سياق متصل أكد أ.عمر شعبان على أن المرتب حق مقدس لكل موظف، واصفاً القرار بأنه عقاب جماعي، وأن قرار الخصم يدفع بآلاف الموظفين إلى حافة الفقر، كون المرتبات هي المصدر الوحيد لتلك الأسر في قطاع غزة الذي يعاني من حصار إسرائيلي مشدد منذ عشر سنوات أدت لارتفاع كبير في ظاهرة الفقر والبطالة. وأن القرار سيفاقم من الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها غزة, وبالتالي ستزداد معاناة المواطنين.
وأشار شعبان إلى أن القرار لا يتماشى مع تصريحات الرئيس محمود عباس التي أكد فيها مراراً أن السلطة الفلسطينية وحكومة التوافق لن تتخليا عن قطاع غزة. وأضاف: هذا القرار يشكل نقطة فارقة في فصل غزة عن المشروع الوطني، ويعمق الانقسام ويعطي انطباع أن القطاع ليس ضمن اهتمامات الحكومة.
وخلال الندوة قدم د. عبد الكريم شبير المستشار القانوني مداخلة قانونية حيث أعتبر قرار الخصم من رواتب الموظفين الذي صدر عن حكومة الحمد لله برام الله جاء مخالفاً للدستور والقانون الفلسطيني، الذي نص على مبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية وعدم التمييز بين المواطنين، وأن الجميع أمام القانون والقضاء سواء. وهذا ما أكده المبدأ الدستوري الذي نص عليه القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لعام 2003، وأن أي انتهاك لهذا المبدأ الدستوري يشكل جريمة دستورية يعاقب عليها القانون, وهي تعتبر جريمة لا تسقط بالتقادم حسب نص المادة 32 من القانون الأساسي, وأن القرار أيضاً جاء مخالفاً لقانون الخدمة المدنية الذي أكد على حق الموظفين في العلاوات والحوافز, وأن حقوقهم جميعاً في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة يجب أن تكون متساوية دون تميز جغرافي.
وختم المجتمعون بالقول: "بأنه كان من الأولى أن تركز السلطة على الصرف على قطاع غزة, كونه الجهة الأكثر تضرراً وتهميشاً وفقراً جراء الحصار الخانق الذي يُعاني منه, فضلاً عن التدمير الممنهج الذي تعرض له خلال الاعتداءات والحروب التي شنها الكيان الصهيوني عليه؛ بدلاً من العمل على اتخاذ قرارات ظالمة تزيد من معاناة مواطنيه. وأنه إذا أرادت السلطة الفلسطينية مواجهة أزمتها المالية كما تدعي، فإن عليها تخفيض نفقاتها غير المبررة, مثل النفقات الباهظة للسفارات المنتشرة في عواصم العالم بلا جدوى ولا يسمع بها أحد, وكذلك امتيازات وبدلات ونثريات المسؤولين وأصحاب الرواتب والرتب العالية، وألا يكون الحل باستهداف الموظفين من ذوي الرواتب المتدنية، أو استهداف منطقة بعينها وحرمانها من أدنى أسباب الحياة التي تمكنها من الصمود ومواصلة دورها المميز في مسيرة النضال الوطني والتصدي للاحتلال".