ما بعد عبّاس

news-details
الأخبار

د. إبراهيم حمّامي

قبل عام من اليوم كتبت تحت عنوان "احتدام الصراع داخل حركة فتح" عن الصراع بين شخوص حركة فتح على وراثة محمود عبّاس

ومما قلته في حينها:

ضغوطات متزايدة يتعرض لها محمود عباس تعصف به شخصياً وبحركة فتح التي يقودها...

    وصوله للعقد التاسع من العمر بعد أن تجاوز سن الثمانين ومن المعلوم أنه مدخن بشراهة

    حالته الصحية المتردية والتي خرجت للعلن في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي بعد انتشار أخبار دخوله المستشفى بعد اضطرابات في قلبه، وهو ما حاول اعلامه القفز عليه عبر بث صور له في شوارع رام الله

    الخلاف الحاد مع محمد دحلان والذي لم يستطع عباس حسمه لصالحه

    دعم الامارات وعسكر مصر برئاسة السيسي لمحمد دحلان والضغط على عباس للتصالح معه والغاء كل القرارات ضده

    الفشل التام في تحقيق أي تقدم في عملية السلام المزعوم

    الاهانات المتلاحقة والمتواصلة من قبل قادة الاحتلال واعلامه

    الاجتياحات المتكررة للضفة الغربية والتي كان أوضحها واشرسها ما تلى اختفاء 3 مستوطنين هناك

    عربدة المستوطنين في مدن الضفة الغربية وعجز الأجهزة الأمنية التابعة له عن حماية المواطنين مقابل شراسة وعنف في مواجهة الفلسطيني

    عدم قدرته القضاء على حركة حماس أو حتى تحجيمها، وبقاء الأخيرة القوة المسيطرة الفعلية على قطاع غزة

    استمرار حالة "الانقسام" وفشل المصالحة أو افشالها

    الفشل حتى اللحظة في عقد المؤتمر السابع لحركة فتح والذي كان من المفترض انعقاده صيف العام 2014

    اليوم تزداد المعركة شراسة بين أقطاب حركة فتح التي يجد كل شخص فيها نفسه الأجدر والأحق بالزعامة

    بعضهم ذهب بعيداً في تسويق نفسه: ماجد فرج اجتمع بحسب التقارير مع نتنياهو في القدس، وتوفيق الطيراوي يرمي التصريحات في كل اتجاه ترويجاً لنفسه، أو مروان البرغوثي الذي بدأ حملة جديدة لا تخفى على متابع، وغيرهم

    لا ننسى هنا بطبيعة الحال محمد دحلان الجاهز للوثوب على زعامة فتح لحظة رحيل عبّاس طوعاً أو كرهاً أو موتاً

    هذا بالنسبة لزعامة فتح، لكن الأخطر هو أن فتح تعتبر باقي المواقع والمراكز حكراً حصرياً لها سواء كانت المنظمة أو السلطة وأن سيطرتها عليها محسوم وغير قابل للنقاش

    فتح تحاول استباق الأمور ولو بشكل مؤقت

    فتح التي تعتبر القرار الفلسطيني ملكية حصرية لها وكذلك المؤسسات الفلسطينية، وبالتالي ترى أن أي رئيس قادم يجب أن يكون فتحاوياً، تحاول الضغط باتجاه تعيين نائب لعبّاس من داخل الحركة، ليس نائباً لفتح فقط، بل لرئاسة السلطة والمنظمة...

    لا يهمها ان كان ذلك يعد خرقاً لكل القوانين والنظم التي وضعتها وصاغتها وأقرتها فتح نفسها وجاءت بعباس رئيساً...

    المبررات والمخرجات جاهزة لديهم، اسألوا عزام الأحمد الذي يعتقد أنه الخبير والفقيه القانوني الأوحد في العالم!

    محمود عباس ترك المراوغة وقرر أن يكشف وجه الهيمنة الفتحاوية للقرار السياسي والميداني...

    محمود عباس يضع فتح في مواجهة الشعب...

    لسان حاله إما أن تكونوا معي وبأمري أو لا مكان لكم

    يحاول أن يتعامل مع القوى الفلسطينية كما يتعامل مع فتح: شركة خاصة ورثها من "هظاك"!

    بغض النظر عن رأينا الشخصي في السلطة نفسها ومبررات وجودها وكونها أصبحت عبء حقيقياً على الشعب الفلسطيني يجب التفكير جدياً في التخلص منه بأقل الخسائر – نُكمل:

    محمود عبّاس أصدر فرماناً بتشكيل المحكمة الدستورية العليا في 03/04/2016 وعيّن أعضائها

    غالبية أعضاء المحكمة التسعة هم من حركة فتح والباقون !

    يتحجج الفتحاويون بأن المادة 43 من القانون الأساسي تجيز لرئيس السلطة وضع قرارات لها قوة القانون في غير أدوار انعقاد المجلس التشريعي إذا استدعت الضرورة ذلك، ولم يكن بالإمكان الانتظار إلى حين انعقاد المجلس التشريعي.....إلى آخر المادة

    د. موسى أبو مرزوق يتساءل: ما هو موضع الاضطرار هنا ونحن في سلطة عمرها 22 عاماً، وبدون محكمة دستورية عليا، والأمر الثاني أن الرئيس هو الذي يدعو المجلس التشريعي إلى الانعقاد ويتمنع عن ذلك!

    الغرض الحقيقي والواضح لتشكيل هذه المحكمة هو احكام السيطرة الفتحاوية على مفاصل السلطة التشريعية واستنساخ تجربة الانقلاب في مصر

    قرار عباس تشكيل محكمة دستورية أحد البدائل التي لجأ إليها لتمرير والفصل في القرارات التي تم اتخاذها خلال سنوات الانقسام السياسي الفلسطيني، رغم عدم قانونية تلك المحكمة لعدم وجود قانون دستوري فلسطيني بالأصل، ووجود قانون أساسي مؤقت

    لم يراع عباس عند اختياره أعضاء المحكمة شروط تعيين القضاء التي نص عليها القانون الأساسي الفلسطيني، والذي يشترط أن لا يتولى عضو المحكمة أي وظيفة أخرى، أو أن لا يمارس نشاطاً تجارياً أو سياسياً أو حزبياً، وإذا كان منتمياً إلى حزب، فعليه الاستقالة قبل حلف اليمين القانونية

    الباحث في الشؤون السياسية والقانونية عماد صلاح الدين، أكد أن قرار تشكيل المحكمة الدستورية العليا "غير دستوري"، وذلك يرجع إلى عدم توفر قانون دستوري فلسطيني وقانون أساسي مؤقت، الأمر الذي يبطل تشكيل تلك المحكمة لعدم توفر قانون تستند إليه.

    ويضيف صلاح الدين: "إن قانون المحكمة الدستورية رقم (3) لسنة 2006 الموجود في القانون الأساسي الفلسطيني ينص على أنه يتم التشكيل الأول للمحكمة بتعين رئيس المحكمة وقضاتها، بقرار من رئيس السلطة الفلسطينية، بالتشاور مع مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل".

    ويضيف "يعين رئيس وقضاة المحكمة بقرار من رئيس السلطة الفلسطينية بناء على تنسيب من الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا (غير موجودة)،

    رئيس السلطة محمود عباس منتهية ولايته منذ عام 2009، وتشكيله للمحكمة الدستورية يعتبر باطلاً قانونياً، ولا يحق له القيام بذلك لأن القانون واضح في هذه المسألة

    القانون الأساسي الفلسطيني لا يعطي الحق لرئيس المحكمة الدستورية تولي رئاسة السلطة الفلسطينية بعد وفاة الرئيس، حيث يتولى رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني مهام رئاسة السلطة مؤقتاً لمـدة لا تزيد عن ستين يوماً، تجرى خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقاً لقانون الانتخابات الفلسطيني

    الهدف من تشكيل المحكمة الدستورية هو "شرّعنة" القرارات والمراسيم الرئاسية، وفتح الباب لتشريع تغيرات جديدة وتعيين نائب للرئيس؛ وذلك للالتفاف على قانون تعيين رئيس المجلس التشريعي عوضًا للرئيس حال تعذر عليه ممارسة أعماله

    رفضت جميع الفصائل والقوى الفلسطينية هذا القرار وأرسلت 18 مؤسسة حقوقية رسالة مشتركة ترفض فيها تشكيل المحكمة أيضاً

    وقع على الرسالة كل من: الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، ومجلس منظمات حقوق الإنسان، الذي يتشكل من 12 مؤسسة، والمركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء (مساواة)، وشبكة المنظمات الأهلية، والمؤسسة الأهلية لاستقلال المحاماة وسيادة القانون (استقلال) ومؤسسة مفتاح

    الناطق باسم فتح أسامة القواسمي كان الأوضح في تبرير القرار والهيمنة الفتحاوية حيث قال: «نحن نحترم القانون، والرئيس صلاحياته الكاملة تعطيه الحق فى تشكيل المحكمة الدستورية من أجل حماية القانون وفصل السلطات» مضيفاً: «المهمة الأساسية للمحكمة الدستورية هى الرقابة على دستورية القوانين، وهى هيئة مستقلة تماما بحكم القانون، ولدينا الثقة الكاملة بهذه المحكمة، وهذا يعزز القانون ويعزز الفصل بين السلطات».

    أي أن ما تسعى إليه فتح هو استنساخ التجربة المصرية في القفز على القوانين وتعطيل اي شيء لا يتماشى مع المواقف الفتحاوية حتى وإن كان صادراً عن المجلس التشريعي – لنتذكر حل مجلس الشعب المصري من قبل دستورية الانقلاب وابطال كل ما كان يصدره الرئيس مرسي من قرارات

    وبالتالي فإن فتح تضمن وفي حال اجراء انتخابات وخسارتها المحتومة فيها بأن تبقى معرقلة لكل شيء – تماماً كما حدث ابان فترة رئاسة الرئيس محمد مرسي

    الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات في واشنطن، غرانت روملي يقول "إنه استئثار سافر بالسلطة في وقت يعلم فيه أن بإمكانه الإفلات بفعلته".

    ويضيف: "من وجهة نظر عباس هذه هي وسيلته لإحباط (آمال) حماس وضمان سيطرة فتح على السلطة الفلسطينية بعد رحيله".

    ليزيد: "بدلاً من أن يصلح فصيله ويحضر لإجراء انتخابات أو تفعيل البرلمان المعطل يشكل (عباس) هيئة قضائية جديدة بمرسوم رئاسي بهدف -من بين أهداف أخرى- هو إقرار المراسيم الرئاسية".

    هاني المصري المحلل السياسي المقيم في رام الله يعلّق: "كأنك تصادر كل شيء وتضع مؤسسات تحت يدك وهذا شيء خطير مزيد من وضع كل السلطات وكل الصلاحيات وكل المؤسسات بيد شخص واحد".

    الفصائل الفلسطينية وخاصة فصائل المقاومة يجب أن يكون لها موقف واضح ومحدد وحاسم في هذا الشأن لا يكتفي بالتنديد والاعتراض اللفظي الذي لا يقدم ولا يؤخر خاصة في ظل التفرد الكامل لمحمود عباس وعقليته الاقصائية

    من الضروري والواجب الاعلان ومنذ اللحظة عن عدم قبول التعامل مع أي شخص مهما كان وضعه حر أو سجين أو هجين وتحت أي ظرف، وعدم الاعتراف وبالمطلق باجراءات عبّاس أو من سيرثه في زعاماته المطلقة

    تقاعس الفصائل خاصة فصائل المقاومة عن الانتقال من ردات الفعل والمواجهات اللفظية الفارغة إلى الفعل الحقيقي هو مشاركة لمحمود عبّاس ومن يأتي بعده في التفرد بالقرار الفلسطيني ولن تعفيهم من الجريمة عبارات التنديد والشجب والاستنكار

ما يجري اليوم من صراع يحتدم ويشتد بين من يسعون للهيمنة بدورهم على القرار الفسطيني لا يخص فتح وحدها لكنه يؤثر على المستقبل الفسطيني ككل...

ليس قدراً على الشعب الفلسطيني أن تبقى طغمة عفا عليها الزمن متحكمة بمصيره ومستقبله، وليس قدراً أن نتخلص من سيء ليرثه الأسوأ...


وليس قدراً أن تكون فتح التي تحولت من حركة تحرير ومقاومة لميليشيات تحت امرة المحتل وفي خدمته يقودها عملاء من طراز رفيع، ليس قدراً أن تبقى على راس الهرم السياسية الفلسطيني...

المؤسسات الفلسطينية كلها وبدون استثناء فقدت شرعيتها تماماً بعد أن تحولت لمؤسسات تخدم الديكتاتور الأوحد...

الفصائل الفلسطينية عامة وفصائل المقاومة خاصة أمام خيارين لا ثالث لهما:

الأول أن ترقى لمستوى التحدي وتنتشل القرار الفلسطيني ممن يهيمنون عليه...

والثاني: أن تسقط مع من سقطوا في الاختبار الحقيقي وعندها عليهم أن يصمتوا وللأبد ولا يسمعونا اي انتقاد أو اعراض لرئيس أو زعيم أو قائد من فتح أو غيرها حتى وإن اعترف أنه عميل وجاسوس...

ستبدي لنا الايام أي الخيارين ستختار!