تحاول روسيا استعادة مكانتها على المستوى الدولي كقوة عظمى يوماً بعد يوم، وهي تعلم أنها بحاجة إلى شروط وجهود كبيرة من العمل لتحقيق هذه الغاية، في الوقت الذي تقوم الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بمحاولات لتقويض ذلك التوجه.
فسلم الأولويات الروسية يزخر بالملفات الهامة فمنها توطيد العلاقات الروسية الصينية من أجل وقف المد الأمريكي في جنوب أسيا ومن ثم يأتي ملف الشرق الأوسط الذي يشغل اهتمام روسيا حيث يمثل الشرق الأوسط لها سوقاً مهماً للأسلحة والمعدات العسكرية الروسية وسوقاً للتعاون في مجال الطاقة وخاصة مجال عمليات البحث والتنقيب وتطوير الإنتاج ومجالاً لجذب رؤوس الأموال. إضافة إلى احتوائه على ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يعد مدخلاً مهماً لروسيا للبروز على الساحة الدولية. ومن هنا تأتي أهمية بناء العلاقة الروسية الحمساوية، حيث بدأت العلاقة بينهما قبل الانتخابات التشريعية الفلسطينية من خلال زيارة غير معلنة قام بها وفد من الحركة إلى موسكو، ثم تبعها زيارة لوفد من الحركة بعد الانتخابات.
• السياسة الروسية في المنطقة
إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استلم السلطة في وقت كانت البلاد تعيش فيه حالة من عدم الاستقرار السياسي، وهذه المشاكل تعود في الأصل إلى تراكمات مشاكل العهد السوفيتي وإلى طبيعة توجهات القادة الروس بعد تفكك الاتحاد السوفيتي واندفاعهم نحو الولايات المتحدة الأمريكية والغرب ظناً منهم بأن مثل هذا التوجه سيعود على روسيا بالمساعدات والدعم الاقتصادي، فكانت روسيا في حالة انتقالية غير مستقرة تماماً، فعمل بوتين على وقف التدهور والتخبط الذي عانت منهما روسيا على امتداد حقبة التسعينات من القرن العشرين، واستطاع تكوين إدارة قوية للحكم منطلقًا من رؤيته السياسية الخاصة، والتي تعد أهم توجهاتها:
1. الحفاظ على الأمن القومي، ووحدة الأراضي الروسية من التهديدات الداخلية والخارجية.
2. الدفاع عن المصالح القومية الروسية، وتطوير العلاقات مع الدول المشاركة في رابطة الدول المستقلة.
3. التركيز على تفعيل دور الأمم المتحدة، وإقرار السلام العالمي.
4. إقامة علاقات دولية على أساس تبادل المصالح.
5. الدعوة إلى إقامة عالم متعدد الأقطاب.
وانطلاقًا من هذه السياسة التي وضعها بوتين وهذه التوجهات التي تعبر عن محاولة روسيا الاقتراب من المنطقة العربية الإسلامية، بهدف إقامة نفوذ لها في المنطقة يخدم مصالحها، قد حاولت روسيا في الشرق الأوسط ممارسة سياسة توازن بين متخاصمين، فتحاول أن تقول إنها صديقة للجميع، وأن الايديولوجيا لم يعد لها مكان في سياستها الخارجية، فهي تحاول بنعومة الدخول إلى المنطقة كشريك له مصالح اقتصادية وليس كبديل للولايات المتحدة.
وبالرغم من العلاقات الوطيدة التي تربط روسيا بإسرائيل، إلا أن الرئيس بوتين أبدى دعماً لحماس، واستقبل بعضاً من مسئوليها في مارس 2006 م، ومن الواضح أن مبادئ السياسة الخارجية التي رسمها الرئيس فلاديمير بوتين خلال فترتي رئاسته من سنة 2000 م إلى سنة 2008 م قد بدأت تعطي ثمارها خلال فترة حكم الرئيس ديمتري ميدفيديف، الذي يسعى إلى نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، ويدل على ذلك زيارته إلى كل من أنقرة ودمشق في مايو 2010م.
• حركة حماس
ليس ثمة شك في أن اهتمامات روسيا في المنطقة عادت لتظهر بقوة بعد زيارة بوتين سنة 2005 م إلى فلسطين المحتلة، ومحاولته الدخول على خط العملية السلمية الجارية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ففي أبريل 2005 م فاجأ بوتين العالم بزيارة تاريخية للضفة الغربية، والتي أجمع المراقبون على أنها محاولة روسية لاستعادة دورها في المنطقة، وفي إطار السعي الروسي الحثيث ليلعب دوراً مستقلاً عن الإرادة الأمريكية، وباعتبار القضية الفلسطينية أكثر أهمية فإنها تشكل مدخلًا مناسبًا لهذا الدور. وعندما لم تحقق طموحات موسكو من الزيارة وجه الرئيس فلاديمير بوتين دعوة لقيادة حماس لزيارة موسكو في بداية مارس 2006 م مما عرض موسكو لاتهامات، أنها تتعامل مع حركة إرهابية، الأمر الذي دفع موسكو إلى مواجهة هذه الاتهامات من خلال التأكيد على شرعية حركة حماس ممثلًا منتخبًا من الشعب الفلسطيني، كما وتنظر روسيا إلى أن علاقاتها مع حركة حماس هي من بُعد فلسطيني وإسلامي والهدف منه تُحسّين صورتها أمام الدول العربية والإسلامية، بعد أن تشوهت تلك الصورة بفعل حربها في الشيشان.
وفي الوقت الذي كانت فيه روسيا تطالب بفك الحصار عن قطاع غزة، فإنها كانت تسعى لدفع حماس باتجاه مشروع التسوية وفكرة حلّ الدولتين، وتتصف روسيا بالبراغماتية في بناء علاقاتها، ومحاولتها الإبقاء على علاقة مع جميع الفرقاء في المنطقة، بمن فيهم إسرائيل، التي تربطها بروسيا علاقات تجارية مميزة، إضافة لعلاقة نامية في مجال التكنولوجيا العسكرية.
• رؤية حماس التفاوضية مع روسيا والغرب
يرى العديد من المحللون أن حركة حماس تسعى إلى إقناع روسيا، ومن ورائها المجتمع الدولي، برؤيتها للمفاوضات، والتي تتمثل بقبول حماس دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967م وعاصمتها القدس مع الاحتفاظ بحق العودة وإزالة جميع المستوطنات في الضفة الغربية مقابل الهدنة مع "إسرائيل" دون أن تعترف بوجودها، كما تأمل حركة حماس من خلال تواصلها مع روسيا برفع مستوى التفاهم على واقع ومستقبل الصراع، مما يعطي روسيا قدرة أكبر للتعاطي مع الصراع.
• علاقات حماس مع موسكو في الوقت الراهن
علاقات حماس مع موسكو بعد أن شهدت تنامي في بدايات عام 2006 م وأصبح هناك انفتاح روسي على حركة حماس وصل لدرجة خروج روسيا عن موقف الإجماع الدولي القاضي بمقاطعة حركة حماس وقيام موسكو بتدشين علاقات مفتوحة مع الحركة، اليوم يصيب العلاقات الحمساوية الروسية خدش وذلك لسببين:
أولاً: تراجع علاقات حركة حماس مع حلفاء موسكو في المنطقة إيران وسوريا على خلفية الأزمة السورية، ويتضح عمق العلاقة بين روسيا وسوريا من خلال الموقف الروسي الذي يقف بجانب الموقف السوري إلى أبعد حد حيث يوفر له الدعم السياسي أما المجتمع الدولي ومجلس الأمن.
ثانياً: استطاعت إسرائيل خلال الفترة الماضية أن تحسن من علاقاتها مع روسيا فهذا إنعكس على علاقة موسكو بحركة حماس.
ومن جانب أخر بناء على المعطيات الحالية لا يرجح معهد فلسطين أن العلاقات الروسية الحمساوية سوف تتحسن ما لم تتحسن علاقات حماس مع إيران وسوريا لأن مشكلة حماس ليس مع روسيا كما أن مدخل العلاقة بين حماس وموسكو يتمثل في حلفاء روسيا في المنطقة دمشق وطهران وبالتالي من الممكن أن تتحسن العلاقة الحمساوية الروسية.
• ثمار تطور العلاقة الحمساوية الروسية والمتمثلة في:
1. تطوّر علاقة حماس بروسيا كسراً لجدار العزلة الدولية والدبلوماسية الذي حاولت الولايات المتحدة فرضه على الحركة، بمساعدة ما يُسمى دول الاعتدال العربي.
2. نفي صفة الإرهاب عن حركة حماس.
3. قد يشجّع تطور العلاقات بين روسيا وحماس دول الاتحاد الأوروبي على الخروج عن النص الأمريكي، لكسر حاجز الخجل في بناء علاقات معها.
4. إضافة داعم سياسي دولي لها.
• المشاكل والعوائق التي تواجه حركة حماس في بناء علاقات دولية حيث تكمن في:
1. عدم وجود بلورة فكرية لدى حركة حماس في بناء العلاقات الدولية.
2. اقتصار علاقات حماس الدولية على الجوانب الاجتماعية والإنسانية وغياب الجوانب السياسية منها.
3. حركة حماس تعاني من عدم النضوج السياسي وهذا ما جعلها في وسط أزمات.
4. لا يوجد قدرة تأثيرية لحركة حماس على الأطراف الدولية وغياب الرؤية الخطابية الإعلامية الجيدة.
5. علاقات حماس الدولية يمكن وصفها بـــــ "علاقات على الهوامش".
6. الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية وفكر حماس وأيدولوجياتها تقف حاجزاً في نسج العلاقات.
• توصيات معهد فلسطين للدارسات لتحسين العلاقة مع روسيا تتمثل في:
1. إعداد رؤية تفاوضية بموجبها تستطيع حماس مخاطبة المجتمع الدولي وإقناعه بحقوق وثوابت الشعب الفلسطيني.
2. لابد من حركة حماس بذل كافة الجهود والعمل على تسويق نفسها في المجتمع الدولي، من أجل إسقاط صفة الإرهاب والظهور كحركة تحرر وطني يكون الهدف منها دحر الاحتلال من فلسطين المحتلة، بالإضافة إلى فتح قنوات اتصال سياسي أو إدارة علاقات سياسية دولية وإقليمية يحقق لها اعترافاً دولياً.
3. ضرورة إجراء حركة حماس مراجعة دقيقة لعلاقاتها الدولية واستفادتها من دروس وعبر الأحداث التي تعرضت لها في السنوات القليلة الماضية، والسعي لكسب شركاء وحلفاء لها في المرحلة المقبلة.
4. أن تعتمد حماس سياسة الانفتاح الخارجي وتعدد الحلفاء وتقديم فهم نوعي يعالج إشكالية العلاقة بين حركة حماس مع الأطراف الأخرى.
5. مطالبة روسيا بالسعي إلى إزالة شروط الرباعية الدولية المجحفة بحق حركة حماس.
6. المرحلة الحالية والمستقبلية تتطلب من حماس أن ترفع شعار التعاون الدولي وبناء العلاقات ومخاطبة الرأي العام على مختلف مستوياته وتحديداً الدولي منه، ويجب الابتعاد عن الخطاب الديني والتركيز على حقيقة الصراع القائم مع الكيان الصهيوني.
7. يجب ان تقوم حركة حماس بشرح موقفها من المصالحة الفلسطينية وأن تضع موسكو في صورة الواقع الجاري.
8. يستوجب على حماس الاستمرار في العلاقة بينها وبين روسيا، لأن ذلك له انعكاسات عليها مثل إضفاء الشرعية الدولية عليها مما يؤدي ذلك إلى تطور علاقاتها الخارجية.
9. يستوجب على حماس دراسة علاقاتها مع روسيا ومن ثم بإمكان حماس منح روسيا دور الوسيط بين الفلسطينيين والاحتلال وهذا الأمر قد يعري مصر في الوقت الحالي التي تتبنى القضية الفلسطينية ويدفعها إلى مراجعة حساباتها مع قطاع غزة ومع حركة حماس.
10. توجيه رسائل إعلامية باللغات الأجنبية إلى الغرب من بينها اللغة الروسية لمخاطبة المجتمع الدولي ومواجهة الإعلام الإسرائيلي، ويتم ذلك من خلال وسائل الإعلام التي تمتلكها حماس، واستخدام كافة الوسائل التي من شأنها نسج علاقات مع المجتمع الدولي سواء الرسائل الخطابية الموجهة أو من خلال تقديم المبادرات الدولية.
11. التباحث مع روسيا حول وجود مكتب تمثيلي لحركة حماس في موسكو مع إمكانية ابتعاث بعثات دراسية إلى روسيا.
ضرورة استثمار علاقة حماس مع حلفاءها لاسيما إيران وتركيا في نسج علاقات دولية جديدة.