منذ أن وجد الشعب الفلسطيني على وجه البسيطة، وهو في جولات حربية متكررة مع الكيان الغاصب الذي ارتكب قادته أبشع المجازر والجرائم بحق الشعب الفلسطيني، حيث أصبحت محفورة في أذهان وعقول كل فلسطيني، ولكن الظلم والقهر والاستبداد والغطرسة الصهيونية لم تدم ولن تدوم بفعل بسالة المقاومة الفلسطينية، والإنجازات التي أصبحت تحققها على الأرض التي مزج ترابها بدماء الشهداء.
لم يقتصر الكيان الإسرائيلي في أساليبه التي يستخدمها ضد الفلسطينيين على الأساليب العسكرية، بينما قام بتوظيف كافة الاساليب لخدمة الغرض العسكري وصولاَ منه استخدام وسائل الإعلام من أجل التهويل والتهديد وإضعاف روح المعنوية الفلسطينية.
ففي الفترة الأخيرة طالعتنا الصحف ووسائل الإعلام الصهيونية بالعديد من الأخبار التي تحمل في طياتها التهديد والوعيد ضد قطاع غزة والفصائل الفلسطينية، حيث تأتي هذه الأخبار في إطار الحرب النفسية ومحاولة إرباك الوضع في قطاع غزة بعد اكتشاف نفق المقاومة شرق مدينة خانيونس حيث يعيش العدو حالة من الغموض والإرباك تجاه قوة المقاومة المتصاعدة، وفي إطار التصعيد الإسرائيلي على قطاع غزة والمتمثل في الغارات والمناورات العسكرية التي يعقدها الاحتلال، يقدم معهد فلسطين للدراسات الإستراتيجية تقديرا للموقف حول احتمالية شن الاحتلال عدوان جديد على قطاع غزة من خلال عرض بعض السيناريوهات التالية:
السيناريوهات المحتملة
تجدر الإشارة إلى أن هناك عدة سيناريوهات متوقعة أن تحدث في ظل الواقع الصعب الذي تعيشه غزة بشكل خاص وذلك لعوامل كثيرة أبرزها الحصار السياسي والاقتصادي المفروض عليها، والتهديد الإسرائيلي بين الفينة والأخرى بشن حرب على القطاع من أجل النيل من المقاومة الفلسطينية بعد الحدث الكبير الذي أذهل قادة الجيش الإسرائيلي وهو نفق المقاومة الذي تم اكتشافه.
سيناريو الضربة الشاملة
من ضمن الخيارات المطروحة أن يقوم العدو الصهيوني بضربة شاملة للقطاع براً وبحراً وجواً كسابقتها في حرب 2008 وحرب 2012م وتكون بشكل موسع تستهدف ردع قوة المقاومة في غزة وهذا السيناريو يدعمه مجموعة من الإرهاصات والمؤشرات الدالة منها:
أولاً: اكتشاف نفق خانيونس ومخاوف إسرائيل من وجود نماذج مشابهة له على حدود القطاع، وبالتالي تنامي القوة العسكرية لمقاومة غزة.
ثانياً: المناورات الصهيونية التي تجريها أجهزة العدو على حدود غزة.
ثالثاً: الحشد الإعلامي وتهيئة الرأي العام الصهيوني لهذا الحدث.
رابعاً: اللحظة التاريخية حيث تبدو حماس منكشفة بعد انقلاب مصر وانشغال المحيط بقضاياه وبعض النداءات الداخلية في غزة للتمرد عليها.
خامساً: الإلحاح الخليجي لإسقاط وإنهاء حكم حماس في غزة.
سادساً: وجود الأحزاب اليمينية الصهيونية على رأس الحكومة مما يجعل فرصة إشعال حرب قائمة وبقوة.
رغم هذه المؤشرات إلا أن إسرائيل تعيش حالة من الغموض الأمني (حالة عدم تأكد) تجاه قوة المقاومة، حيث من المؤكد أن زعمائها ورجال أمنها يسألون، هل هناك أنفاق أخرى غير النفق الذي تم اكتشافه في خانيونس؟
يمكن أن يستخدمه المقاومون في رد أي هجوم على غزة، إذن لكي تخوض إسرائيل حرباً ضد غزة يجب أن تجيب أجهزة أمنها عن الأسئلة السابقة، لأن إسرائيل لا تخوض حرباً عندما تحيط بها حالة من عدم اليقين.
ولكي تجيب عن هذه الأسئلة فإنها بحاجة لشهرين على الأقل، وهذا يعني أن اكتشاف نفق المقاومة أجلّ الحرب ولم يبكرها.
أما فيما يتعلق بالمناورات الصهيونية على حدود غزة، فالجيش الصهيوني لم يكف عن مناوراته والتي هي مجدولة طيلة أيام السنة، أما لوجودها في عسقلان فهي في سياق التشابه الجغرافي لطبيعة البلدتين المتجاورتين
بينما قضية الحشد الإعلامي فهي طبيعة صهيونية تهدف إلى تهيئة الرأي العام لأي قرار مستقبلي ربما تتخذه الحكومة فيكونون على أهبة الجاهزية.
وفي قضية ظهور حماس بمشهد المنكشف إقليمياً يقرأ في الجانب الآخر غياب الوسيط حال نشوب حرب يوقف سعارها في ظل تخوف الكيان من قوة المقاومة التي باتت غامضة.
وعند النظر بالإلحاح الخليجي على الكيان للقضاء على حكم حماس فهذا لا يحمل أية وزن حيث أن الكيان لا يمكنه المغامرة لمصالح وأجندات غيره.
لذلك التقدير الراجح لهذا السيناريو أن إسرائيل لن تخوض حرباً حقيقية ضد غزة حتى نهاية العام الجاري، وسوف تحرص على تبادل حالة الهدوء الحذر، وتعيد الحرب النفسية فقط.
سيناريو الضربة المحدودة
وهي ضربة محدودة تقتصر على ضربة جوية تباغت فيها إسرائيل غزة تأتي في سياق رد تعتبره إسرائيل طبيعياً في ظل استمرار فصائل المقاومة بعملياتها ضد الكيان.
ويحمل هذا السيناريو وزناً نسبياً لا يستهان به أمام بعض الإرهاصات التي يحملها الواقع ولا سيما أن العدو الصهيوني يؤمن بسياسة الضربة الاستباقية المبنية على استراتيجية (الحرب خدعة) وربما يعود الاستعانة بهذا السيناريو لأسباب عدة:
أولاً: يحاول المحتل إعادة ترميم قوة الردع الذي تزعزعت في الفترة السابقة إثر قوة المقاومة الآخذة بالصعود.
ثانياً: الوضع الإقليمي وهو على جانبين حيث أن المنطقة العربية منشغلة بحالها وهذا ربما يغري إسرائيل لشن عدوان جديد على القطاع يكون محدوداً وهذا لكون أن إسرائيل كذلك ستفقد الوسيط الذي يوقف الحرب حال إرادة إسرائيل إيقافها وهذا سيجعلها في موقف حرج.
لذلك قد يكون هذا السيناريو أكثر احتمالية من السابق، ومع هذا يبقى بعيداً وذلك لأسباب تم بيانها في السيناريو الأول.
سيناريو تشديد الحصار
ربما هذا السيناريو الأكثر قرباً من الواقع، حيث يسود قطاع غزة حالة غير مستقرة نتيجة اشتداد الحصار وبالتالي يؤثر ذلك على طبيعة عمل المقاومة في بناء قوتها المتصاعدة، ويرجح معهد فلسطين للدارسات سيناريو تشديد الحصار على قطاع غزة، مستغلة إسرائيل حالة انشغال الإقليم بأحداث الربيع العربي، وبالتالي سوف تحافظ إسرائيل على حالة الانقسام الفلسطيني الذي يصب في مصلحتها، وهذا الخيار يعود قوته لأسباب عديدة لعل أبرزها:
أولا: أوربا ستعارض شن عدوان جديد على غزة.
ثانياً: حماس تعيش حالة إرادة الحرب خروجاً من حالة الموت البطيء.
ثالثاً: غياب دولة الوسيط بين الطرفين حال اشتعال حرب في القطاع تقوم بوقف أحداثها.
رابعاً: اكتشاف نفق خانيونس أجلّ الحرب وجعل العدو يعيش حالة غموض غير مسبوقة تجاه قوة المقاومة.