يشهد قطاع غزة على وجهة الخصوص في ظل المتغيرات الإقليمية الحادثة في الإقليم العربي انسداد سياسي واقتصادي يشتد رويداً رويداً، ويرجع ذلك لتردي الأوضاع السياسية الفلسطينية الداخلية والخارجية التي ألقت بظلالها على الأوضاع الاقتصادية.
حيث يعاني قطاع غزة منذ توالي الحكومات الفلسطينية السابقة من أزمات اقتصادية في شتى الجوانب، ولكن ليس بالقدر والحالة الموجودة في الوقت الحالي، ويرجع ذلك لأسباب كثيرة أبرزها نتيجة الربط الاقتصادي بين الاقتصاد الفلسطيني والإسرائيلي والحصار الاقتصادي الذي فرضته (إسرائيل) على القطاع بعد فوز حركة حماس في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية عام 2006م، فمنذ ذلك الوقت وقطاع غزة يتعرض لأبشع حصار عبر التاريخ البشري تشارك في إدارته أيدي فلسطينية وعربية وأمريكية وإسرائيلية.
ولعل من أبرز ملامح الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها القطاع افتقاره للمنتجات والسلع والمواد الضرورية اليومية والمواد الإنشائية والوقود هذا بالإضافة إلى ممارسة وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين سياسة تقليص الخدمات تحت حجج وذرائع واهية مثل ضعف التمويل الخارجي للأونروا.
حيث تنعدم في هذه البقعة أبسط مقومات الحياة الإنسانية الكريمة، بما في ذلك إمدادات الغذاء والدواء اللازمة لعيش السكان المدنيين، فضلاً عن احتياجاتهم من المحروقات، والمواد الخام اللازمة للقطاعات الاقتصادية المختلفة، الصناعية، والزراعية، والإنشائية، والنقل والمواصلات، رغم أن قطاع غزة يحيط به سبع معابر، ستة منها تحت السيطرة الإسرائيلية وواحد خارجها، وهو معبر رفح الذي تشبه سياسة إدارته من الجانب المصري بقية المعابر المرتبطة مع الاحتلال، حيث يعاني سكان ومرضى وطلاب قطاع غزة من أزمة في السفر للخارج من هذا المعبر، كما تقوم السلطات المصرية بانتهاج السياسية الإسرائيلية في حصار قطاع غزة، حيث أدى الحصار المصري الإسرائيلي على القطاع إلى دفع معدل البطالة إلى مستويات مذهلة وزاد من معاناة سكان القطاع، وحسب إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تبين أن معدل البطالة قفز إلى 38.5% نهاية العام الماضي من 32% في الربع الثالث من العام نفسه، وأن ما لا يقل عن 140 ألف من أهالي غزة انضموا إلى طوابير العاطلين في النصف الثاني من 2013.
في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها قطاع غزة وتأزم العلاقة بين مصر والقطاع، وكذلك حصار الاحتلال للقطاع منذ ثماني سنوات تحاول الحكومة الفلسطينية الخروج من العجز الاقتصادي بفعل الحصار وكذلك التغلب على المشاكل المفتعلة من قبل الجانب المصري الذي يدير معبر رفح، فاقترحت الحكومة الفلسطينية مؤخراً على رجال الأعمال إدارة المعابر الرئيسية مع مصر و(إسرائيل)، وهذا ما صرح به المهندس/ زياد الظاظا نائب رئيس الوزراء في الحكومة الفلسطينية بقطاع غزة، حيث تحدث أن عملية خصخصة المعابر ستحتاج إلى تنسيق مع أطراف عديدة منها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
معهد فلسطين للدراسات الإستراتيجية تابع تصريحات نائب رئيس الحكومة الفلسطينية م. زياد الظاظا وقام بإخضاعها للدارسة المعمقة من أجل الوقف على أبعاد السيناريوهات المحتملة حول خصخصة معابر قطاع غزة وكانت السيناريوهات كالتالي:
• السيناريو الأول: يتمثل في رفض كل من الجانب الإسرائيلي والمصري إبداء التعاون والتعامل مع فريق رجال الأعمال الفلسطيني الذي سوف يشرف على إدارة حركة المعابر بين الجانب الفلسطيني والمصري وأيضا بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي ويرجع ذلك لعدة أسباب:
1. الجانب المصري في المرحلة الحالية يعيش أزمة سياسية واقتصادية لم تشهدها جمهورية مصر العربية من قبل، وهو منشغل في أزماته الداخلية بعد الانقلاب.
2. الجيش المصري يقود حملة عسكرية في سيناء ضد من يصفهم بالإرهابين والتكفيريين، ولا يوجد سقف زمني لانتهاء الحملة، والذي يحكم مصر حالياً الجيش المصري الذي يلصق ويدبر التهم لقطاع غزة من أجل تمرير سياساته وإيهام الرأي العام بحجم المخاطر المحدقة في حال فتح معبر رفح بشكل كامل، وما أدل على ذلك تصريحات الجانب المصري المتكررة بإغلاق معبر رفح لدواعي أمنية أو عطل في شبكة الحواسيب.
3. هناك تعاون عسكري وسياسي بين الجانب المصري والإسرائيلي والسلطة الفلسطينية حول تشديد الحصار على قطاع غزة، ويتضح ذلك من خلال الوثائق التي كشفتها حركة حماس التي تدلل تورط السلطة مع الجانب الإسرائيلي والمصري في حصار غزة.
4. الورقة الرابحة في يد الجانب الإسرائيلي هي حصار قطاع غزة بعد فشل الخيار العسكري والحربي، وانبهار(إسرائيل) بردود وضربات المقاومة في حرب 2012.
• السيناريو الثاني: قبول وتعاطي الجانب الإسرائيلي مع هيئة رجال الأعمال المكلفة لإدارة المعابر مع الجانب الإسرائيلي ولكن ليس بالقدر الكبير الذي يسمح بحرية مطلقة وتامة لحركة المعابر بين قطاع غزة ويرجع ذلك للأسباب التالية.
1. الاحتلال لديه الإرادة والرغبة في تيسير الأمور الاقتصادية مع قطاع غزة حتى تحافظ على التهدئة الهشة بينها وبين المقاومة.
2. الاحتلال يعلم أن انفجار قطاع غزة ليس من مصلحته في هذه الأوقات الحساسة والصعبة.
3. وجود مصالح مشتركة ومتبادلة بين بعض رجال الأعمال الفلسطينيين والإسرائيليين.
4. هناك أصوت دولية تتعالى تطالب الاحتلال بفتح المعابر وفك الحصار عن غزة فمنها صوت رئيس البرلمان الأوروبي "مارتن شولتز" الذي طالب إسرائيل بضرورة فك الحصار المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من سبع سنوات، بالإضافة إلى الصوت التركي الذي يشترط بفك الحصار عن قطاع غزة ومن ثم ترتيب إجراءات المصالحة التركية الإسرائيلية، وما تحدث به مقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الانسان في الأراضي الفلسطينية ريتشارد فالك أن سياسات (إسرائيل) في الضفة الغربية وقطاع غزة تصل فيما يبدو إلى مستوى التمييز العنصري والحقوق الفلسطينية تنتهك جراء احتلال إسرائيل القائم منذ فترة طويلة للأراضي الفلسطينية، وقال رغم قرار إسرائيل فك الارتباط مع غزة عام 2005 إلا أن القطاع ما زال "محتلا" في ظل حصار إسرائيلي غير مشروع يتحكم في الحدود والمجال الجوي والسواحل، ووصف الوضع الإنساني في القطاع الذي تديره حركة حماس بالخطير وسط نقص حاد في مقومات الحياة الإنسانية.
• السيناريو الثالث: عرقلة وإفشال السلطة الفلسطينية في رام الله لهذا المقترح الخاص بخصخصة المعابر، لأنها تعتبرأن الهدف من هذه الخطوة تعزيز الانقسام الفلسطيني فبدلا من اللجوء إلى حل كل القضايا المترتبة على الانقسام الفلسطيني فإنه يتم من خلال هذا الاقتراح حل جزء منها هو الحصار، والدليل على سيناريو الإفشال مشاركة السفارة الفلسطينية في مصر بتشديد الحصار على غزة من خلال إغلاق معبر رفح، كما ستعتقد السلطة أن هذه الخطوة سوف تجعل حركة حماس وحكومتها في قطاع غزة في يسر وبحبوحة من أمرها وبالتالي لن تلتفت إليها وبذلك يكرس حكمها في قطاع غزة.
يرجح معهد فلسطين للدراسات كافة السيناريوهات المطروحة، ولكن السيناريو الأكثر قرباً ويمكن أن نتوقع حدوثه هو السيناريو الثاني، المتمثل في قبول وتعاطي الجانب الإسرائيلي مع هيئة رجال الأعمال المكلفة لإدارة المعابر مع الجانب الإسرائيلي ولكن ليس بالقدر الكبير الذي يسمح بحرية مطلقة وتامة لحركة المعابر بين قطاع غزة.
وفي ختام استعراض المعهد للسيناريوهات المحتملة جراء خصخصة المعابر، يثني معهد فلسطين للدراسات الإستراتيجية على خطوة الحكومة التي تتجه لخصخصة المعابر مع الجانب المصري و(الإسرائيلي) التي من شأنها أن تسهم في رفع المعاناة والحصار المفروض وإعادة إعمار قطاع غزة، وتحسين الأوضاع الاقتصادية التي تشهد ركود بشكل مخيف،