في ظل التصريحات التي تصدر بين الفينة والأخرى تجاه قضية المصالحة الفلسطينية وقضية المفاوضات من قبل السلطة الفلسطينية والحكومة في قطاع غزة وتمسك السلطة بخيار المفاوضات ودعوة الحكومة بقطاع غزة بضرورة إتمام المصالحة.
تصدرت حركة حماس طليعة عام 2014 بخطاب من قبل رئيس الوزراء إسماعيل هنية أدى هذا الخطاب إلى ضخ دماء جديدة في جسد الوحدة الفلسطينية الذي يعاني من مخاض عسير بين التوافق والتنافر طيلة الفترة الماضية، ويعتبر هذا الخطاب بالخطاب التوافقي التصالحي الذي عبرت عنه حركة حماس والفصائل الأخرى بأن الهدف منه إتمام المصالحة الفلسطينية المتعثرة، و كانت ثمار هذا الخطاب عودة بعض نواب كتلة فتح البرلمانية لقطاع غزة والموافقة على عودة 120 شخصية فتحاوية للقطاع، وأكد هنية على أن المصالحة تسير بخطوط متوازية وأن حركته وحكومته يشرعان في تجهيز بعض الأمور المتعلقة بانتخابات الاتحادات الطلابية وانتخابات النقابات وإعادة تشكيل مجالس البلديات وذلك بتوافق وطني كمرحلة انتقالية، لأن هناك ما يسمى بالمصالحة المجتمعية والمصالحة السياسية، وسنسير في الخطين، ليلتقوا في النهاية لتشكيل حكومة واحدة وسياسة واحدة ونظام واحد.
في الوقت الذي تشهد فيه عملية التسوية حراك من قبل الإدارة الأميركية ممثلة بوزير الخارجية الأمريكي جون كيري وبعض شركاء وحلفاء الإدارة الأمريكية في المنطقة كالأردن والسعودية لدفع عجلة التسوية للأمام والضغط على الجانبين لقبول اتفاق الإطار الذي يهدف في نهاية الطريق الى وجود دولتين الأولى إسرائيلية والثانية فلسطينية على حدود عام 1967م التي تعتبر دولة مجتزئة من أرض فلسطين التاريخية.
وبناء على التصريحات والشواهد الجارية بحث معهد فلسطين للدراسات الإستراتيجية القضيتين (المصالحة الفلسطينية والمفاوضات) من خلال طرح تساؤل على مجموعة من المتخصصين والمحللين " هل عام 2014 سوف يشهد تلاقي بين حركتي فتح وحماس وبالتالي إتمام للمصالحة أم استمرار للانقسام الفلسطيني واستمرار لخيار التسوية والتفاوض مع الإسرائيليين"؟
فوجد معهد فلسطين للدراسات تباين في آراء المحللين تجاه التساؤل السابق حيث اتضح ذلك من خلال التالي:
التوقع بإتمام المصالحة الفلسطينية :
فقد توقع فريق من المحللين أن عام 2014 سوف يشهد إتمام المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس وتنفيذ بنود المصالحة الفلسطينية المتمثلة في تشكيل حكومة التوافق الوطنية تمهيداً لإجراء الانتخابات البرلمانية والتشريعية وفي المقابل قلل الفريق من الوصول لنقطة تلاقي في ملف التسوية والمفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل خلال العام الجاري وقد اعتمد الفريق على مجموعة من المؤشرات التي تؤكد هذا الخيار وهي:
1. الانقسام الفلسطيني الحاصل يلحق ضرراً كبيراً بالقضية الفلسطينية بشكل عام، كما أنه يمنع أياً من الطرفين المضي قدماً في مشروعه دون الطرف الآخر، وهو ما يشكّل دافعاً لكليهما للخروج من حالة الانقسام إن أراد إنقاذ مشروعه.
2. انسداد أفق مشروع التسوية، على الرغم من أن السنة الماضية 2013م شهدت استئناف المفاوضات بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" ورفض ومعارضة الفصائل الفلسطينية أية خطة من قبل وزير الخارجية الأمريكي الراعي لهذه المفاوضات.
3. تفاقم الحصار الاقتصادي والأزمة الإنسانية لسكان قطاع غزة في ظل إغلاق الأنفاق والمعابر التجارية وإتمام المصالحة الفلسطينية يسهم في تخفيف وطأة الحصار
4. وجود رغبة شعبية فلسطينية عارمة في اتفاق فتح وحماس، وعودة التلاحم إلى الصف الوطني الفلسطيني.
استمرار الانقسام الفلسطيني وخيار التفاوض :
على الرغم مما ذكر الفريق الأول من عوامل قد تشكل حافزاً على إتمام عملية المصالحة الفلسطينية في العام الجاري إلا ان فريقا من المحللين ذهب بالاعتقاد بــأن عام 2014 سوف يكون تكرار للسنوات السابقة ولا يشهد ملف المصالحة الفلسطينية أي حراك فعلي والاكتفاء بالتصريحات والشعارات بين قطبي الوطن قطاع غزة والضفة الغربية واستمرار السلطة الفلسطينية بخيار التفاوض الذي لا تمتلك غيره.
وأشار المحللون إلى عوامل لها دورها في تثبيت هذا الخيار وتعتبر مؤشرات تدلل على استمرار الانقسام الفلسطيني وخيار التفاوض وهي:
1. أن الشروط الإسرائيلية والأمريكية على الحوار تمثل العامل الأبرز بين هذه العوامل، ويستمد هذا العامل قوته نتيجة ارتباط تمويل مؤسسات السلطة بالجانب الإسرائيلي والأمريكي وهذا الأمر يخلق تخوفاً لدى الكثيرين من أن عدم تلبية الشروط سيؤدي إلى توسيع الحصار ليشمل الضفة الغربية إلى جانب قطاع غزة، وإلى وضع الفلسطينيين وقضيتهم في عُزلة.
2. افتقار طرفي الانقسام فتح وحماس إلى وجود مرجعية أيديولوجية مشتركة، فضلاً عن أزمة الثقة بينهما.
3. فشل الطرفين في كسر الآخر وإسقاطه، فحركة حماس لا زالت تدير قطاع غزة على الرغم من كل إجراءات السلطة في رام الله ضدها، ولا زالت تملك شعبية واسعة في صفوف الفلسطينيين على الرغم من الحصار الخانق الذي تتعرض له، كما أن فتح لا زالت تمثل شريحة واسعة من الفلسطينيين، على الرغم من عدم وجود تقدم في مسار التسوية.
4. عدم استجابة حركة حماس للشروط الدولية على الرغم من كل الإجراءات الإسرائيلية والدولية لإسقاطها واستمرار الحصار.
5. أزمة القرار لدى حركة فتح نفسها، وتعدد الاتجاهات داخلها لاسيما ما يعرف بتيار دحلان والآخر التابع لعباس والفجوة بينهما، إضافة إلى الفساد والترهل الذي تعاني منه حركة فتح، تجعل من الصعب توحيد القرار الحركي بشأن الحوار، وبالتالي تضعف قدرة قيادة الحركة على ضبط كافة عناصرها، وعلى تطبيق الاتفاقات التي تمّ التوصل إليها بخصوص المصالحة.
6. ضعف فاعلية الفصائل الأخرى المؤثرة في الساحة الفلسطينية، في الدفع باتجاه الحوار وإتمام المصالحة الفلسطينية.
المصالحة والمفاوضات في رؤية المعهد :
من المؤكد أن استمرار حالة الانقسام الذي تشهده الساحة الفلسطينية، يلحق ضرراً بالغاً بالقضية الفلسطينية ويعتبر استمرار الانقسام هو مؤشر خطير يهدد مستقبل القضية الفلسطينية، ويؤكد معهد فلسطين على ضرورة إتمام المصالحة بناء على بنود الاتفاق الذي تم التوافق عليه في الدوحة والقاهرة، والتوقف عن مسار المفاوضات التي لا تخدم شعبنا ولا تخدم القضية الفلسطينية وقد أثبت السنوات الماضية أنه لا يوجد جدوى للمفاوضات بل يستثمرها الاحتلال للضغط على السلطة لتقديم المزيد من التنازلات.
ويرجح معهد فلسطين للدراسات أن يستمر سيناريو الانقسام الفلسطيني وخيار التفاوض طيلة العام الجاري حيث إن جميع العوامل والمؤشرات تدلل على لهث السلطة الفلسطينية وحركة فتح نحو خيار المفاوضات والتعاطي مع جهود كيري وإبرام اتفاق جديد مع الإسرائيليين والضغوط الخارجية والشروط الدولية التي تمارس على السلطة تدفعها إلى عدم التعاطي مع ملف المصالحة والجلوس في حوار مع حماس، بالإضافة لتخوف السلطة في رام الله من التعرض لعقوبات إسرائيلية وأمريكية ودولية في حالة الوصول إلى اتفاق مع حماس، أو تشكيل حكومة وحدة وطنية.