تقدير موقف:مؤشرات الفشل ترجح ميزان المصالحة الوطنية

news-details
تقدير موقف

لقد دخلت المصالحة الفلسطينية في مرحلة تعد من المراحل الشاقة والعسيرة التي مرت بها، خاصة بعد توقيع اتفاق تهدئة شاملة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل برعاية مصرية احتدمت المناكفات وساد التوتر والتراشق الإعلامي الذي لم يتوقف بين حركة فتح وحماس منذ انتهاء العدوان الإسرائيلي على القطاع، حيث تتهم حركة "حماس" حكومة التوافق التي خرجت من رحم الشقاء بعد عسر دام سبع سنوات بالتهّرب من مسؤولياتها تجاه غزة، والمتمثلة في عدم دفعها لرواتب موظفي حكومة غزة السابقة، وتأخير عملية الإعمار، وتولي إدارة معبر رفح البري على الحدود مع مصر، بينما ترد وتتهم حركة "فتح" حركة "حماس" بإقامة حكومة ظل في غزة كبديل عن حكومة التوافق، بالإضافة إلى منع الحكومة من تولي مهامها في القطاع، في غضون ذلك تم الكشف عن وجود اتصالات بين حركتي فتح وحماس لتحديد اجتماع وصف بـ"المهم" لبحث عدد من الملفات والقضايا العالقة بين الطرفين، وفي ظل تتبع معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية لمجريات المصالحة الوطنية تبعاً لكل فترة زمنية، أرد ان يستشرف مستقبل المصالحة الوطنية بعد العدوان الأخير وما أفزره العدوان من توتر في العلاقة بين حركتي فتح وحماس وذلك من خلال تقديم تقدير موقف ليبحث ملف المصالحة الفلسطينية في ثلاث محاور متمثلة في:-

  1.     مؤشرات فشل المصالحة الوطنية.
  2.     القضايا الأكثر أهمية في المصالحة الفلسطينية.
  3.     مؤشرات نجاح المصالحة الفلسطينية.

 

مؤشرات فشل المصالحة الوطنية.

لقد شهدت الفترة الماضية أثناء وبعد تشكيل حكومة التوافق الفلسطينية بزوغ العديد من المؤشرات المتعاقبة، والتي قد تؤدي بنا لحالة من الإحباط ونتيجة مفادها بعد المنال لتحقيق المصالحة في الوقت الحالي، حيث تدلل هذه المؤشرات إلى النفور والتنصل من المصالحة الوطنية وتمثلت هذه المؤشرات بــــــــ: -

  1. وجود توجه لدى حركة فتح لإخضاع حركة حماس لسلطة حكومة التوافق الوطني التي تنفذ سياسة عباس وقد تضح ذلك جلياً بعد أصرار أبو مازن على تحويل وزارة الأسرى إلى هيئة وهذا ما رفضته حركة حماس.
  2. نكول وتنصل الحكومة عن استحقاقات قطاع غزة المختلفة بشكل متعمد.
  3. اتباع ومواصلة أبو مازن سياسة الانفراد بالقرار واستخدام مصطلحات توتيريه مع حركة حماس في أكثر من موطن وأكثر من عاصمة وكان اخرها ان معبر رفح لن يفتح إلا بعد عودة حرس الرئاسة الفلسطينية وانتشاره على المعابر بما فيها معبر رفح مع مصر، وقوله "إننا لن نقبل أن يستمر الوضع كما هو، ولن نقبل أن يكون بيننا وبينهم شراكة إذا استمر وضعهم في غزة بهذا الشكل، حيث يوجد عندهم السلاح والإمكانيات والأمن، كما أن هناك لدى حماس في غزة حكومة ظل مكونة من 27 وكيل وزارة هي التي تقود البلد، ومن ثم فإن حكومة الوفاق الوطني لا تستطيع أن تفعل شيئا على أرض الواقع"
  4. انجراف عباس إلى تراشق بالأرقام بعد الحرب على غزة، حيث قال "إنّ شهداء "حماس" خلال العدوان على غزة بلغ 50 شهيداً، مقابل 861 استشهدوا من "فتح".
  5. اتهام حماس بأنها تسعى إلى تفجير انتفاضة في الضفة الغربية.
  6. اتهام حركة حماس بمحاولة انقلاب على السلطة في الضفة الغربية، وتبني أبو مازن الرواية الإسرائيلية بشكل كامل.
  7. تصريحات صالح العاروي فيما يتعلق بخطف واعتقال ثلاثة مستوطنين من تركيا أدت إلى تفجير الموقف بين أبو مازن وحركة حماس حيث شعر أبو مازن ان حركة حماس تمارس التضليل معه وتمده بمعلومات غير صحيحة خاصة فيما يتعلق بهذه القضية وقد وضعته في موقف محرج مع اسرائيل.
  8. استمرار الاعتقال السياسي في الضفة الغربية الغير المبرر الذي إعادة بالمجتمع الفلسطيني إلى دائرة الصراع بدلاً من اللحمة المجتمعية.
  9. اكتفاء حركة فتح على استخدام وسائل الإعلام عند الحديث عن المصالحة دون التنسيق مع حركة حماس.
  10. مواصلة أبو مازن في طرح المناورات السياسية والبحث عن بدائل عن اتفاق المصالحة والدخول في محور صياغة اتفاقيات جديدة مع حركة حماس والتي كان أخرها تكليف أبو مازن للغنوشي من أجل تسوية الخلاف مع حركة حماس وليس من خلال أجراء أبو مازن لقاء مع حركة حماس.
  11. تمسك أبو مازن بخياره الوحيد والمتمثل في الحفاظ على السلطة التي يتمتع بزعامتها، مع الإبقاء على مساعي تحسينها عبر المفاوضات.
  12. مماطلة أبو مازن في عقد الإطار القيادي لمنظمة التحرير بعد ان تقرر دخول حركتي حماس والجهاد الإسلامي فيه، مع العلم أنه عَقَدَ هذا الإطار منذ الاتفاق ثلاثة اجتماعات متباعدة، وبالرغم من أن "إعلان الشاطئ" الموقع في 23/4/2014 ينص على عقده في غضون خمسة أسابيع من تاريخ توقيع هذا الاتفاق، أي في نفس موعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني في الثاني من حزيران المنصرم، مع التأكيد على دورية وتواصل اجتماعاته بعد ذلك، إلا أنه لم يعقد. وبالرغم من أن بيان القيادة الفلسطينية الصادر بعد اجتماعها الطارئ الذي عقد في ذروة العدوان الإسرائيلي الغاشم ضد قطاع غزة، وتحديدًا في الثالث والعشرين من شهر تموز الماضي، قد تضمن التزامًا بعقد اجتماع لهذا الإطار بشكل فوري، إلا أنه لم يعقد حتى الآن، ولا توجد مخططات لعقده بسرعة رغم المطالبة الواسعة بذلك.
  13. العودة لمربع الخلافات وتراشق التصريحات بين الحركتين بصورة فورية بعد أن وضع العدوان الإسرائيلي على غزة أوزاره خاصة فيما يتعلق بقضية الانفراد بقرار السلم والحرب.
  14. زيادة نسبة الإرهاصات بشكل يومي التي تأكد على أن أبو مازن لا يريد قطاع غزة وبقاء الحال كما هو عليه.
  15. إصرار أبو مازن على نزع سلاع المقاومة وما يؤكد ذلك ما يصرح به وبشكل علني في المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد زيارته لباريس.
  16. ظهور الموقف الفلسطيني الذي اتسم بالضعف والارتباك حتى في ظل الوفد الموحد الذي ذهب لمفاوضات القاهرة، حيث برز كل يوم حجم التناقض داخله واختلاف الرؤى السياسية خاصة وعدم تحمس الرئيس ابو مازن بالتمسك بمطالب المقاومة ورفع الحصار، وما نراه الان يدل على حجم الهوة والخلاف.

 

القضايا الأكثر أهمية في المصالحة الفلسطينية.

الأجواء المتوترة بين حركتي حماس وفتح آثارت العديد من التساؤلات حول امكانية الإعداد لإجراء الانتخابات وإعادة إعمار قطاع غزة وتوفير احتياجات الشعب الفلسطيني، وفق ما اتفق عليه سابقاً، وهي الملفات الذي كشفت عنها بعض المصادر الفلسطينية المسؤولة بأنه من المقرر أن يتم البحث فيها خلال استئناف جولات المصالحة والتي تشمل ملف الانتخابات الفلسطينية العامة التي يُفترض أن تجري خلال ثلاثة شهور فقط بحسب اتفاق تشكيل حكومة التوافق ووفق ما نص اتفاق القاهرة الموقع من جميع الفصائل في مايو 2011.

أن أي لقاء بين حركة فتح وحماس فرصة أن تم عقده رغم المؤشرات السابقة التي تقلل من إمكانية  الوصول للمصالحة في الوقت الحالي من أجل إثارة كل الملفات والقضايا المرتبطة بترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، كما أنه من المستبعد أن يحل القاء كافة القضايا العالقة بين الطرفين، في ظل تهرب حكومة التوافق والرئاسة الفلسطينية من مسؤولياتهما تجاه غزة، لكن قد ينجح اللقاء في التخفيف من حدة التوتر بين الحركتين وأن يحل بعض القضايا البسيطة، ولكن يجب التركيز خلال هذا للقاء على طرح قضيتين بالغتين الأهمية، لأنهما أساس المصالحة الفلسطينية وهما الكاشفتين للنوايا الحقيقية وتتمثلا في: -

القضية الأولى: تلبية حكومة التوافق الوطني لحاجات قطاع غزة فوراً دون مبررات والوقف بجانب معاناة الناس، خاصة بعد خروج قطاع غزة من عدوان إسرائيلي مدمر، وإن كل دقيقة تمر دون تلبية الحكومة لاستحقاقات القطاع سيؤدي به إلى حالة الموت البطيء، وفي حال استمرار تعنت حكومة الحمد الله وتصلبها على موقفها إزاء قطاع غزة، فأمام حركة حماس خيار واحد وهو مطالبة حركة حماس بحل حكومة التوافق بشكل رسمي وذلك من أجل إغاثة قطاع غزة قبل دخوله منحى أكثر خطورة واشتداد الازمة الاجتماعية والانسانية والاقتصادية والصحية شيئاً فشيء، أو انتظار حركة حماس الي حين انتهاءما تبقى للحكومة من عمر افتراضي وبعد ذلك من الممكن الدخول في الانتخابات حسب نص اتفاق المصالحة الأخير في الشاطئ.

القضية الثانية: عقد "الإطار القيادي لمنظمة التحرير" رغم الارتباك الذي يسود القيادة الفلسطينية عند ذكر هذا المطلب لعدة أسباب متمثلة في: -

  1.  تخشى القيادة الفلسطينية، وتحديداً أبو مازن وحركة فتح، أن يؤدي انضمام حركتي حماس والجهاد الإسلامي وهما مصنفتان على منظمتان "إرهابيتان" من دون موافقتهما على شروط اللجنة الرباعية الدولية إلى سحب الاعتراف الدولي بالمنظمة وتحديدً الأمريكي والأوربي.
  2. دخول حركة حماس والجهاد لمنظمة التحرير يهدد وجود وقيادة حركة فتح للمنظمة التي تعتبر المؤسسة الوحيدة التي لا تزال تقودها بشكل انفرادي.
  3. إن ما جاء في اتفاق المصالحة حول تشكيل الإطار المؤقت ومدته ستة أشهر، وبحد أقصى عام كامل، ويمارس دوره إلى حين إجراء انتخابات المجلس الوطني، لم يكن جدياً، بدليل عدم بذل أي جهود لإجراء انتخابات المجلس الوطني.

مؤشرات نجاح المصالحة الفلسطينية.

إن أبرز المؤشرات التي تدلل على صحة مسار المصالحة الفلسطينية رغم العدد الكبير من المبادرات والاتفاقيات التي تقوم بوضع أسس وخرائط مختلفة من أجل إتمام المصالحة، فإن معهد فلسطين للدراسات يخلص هذه المبادرات ببعض المؤشرات التي لا تتحقق المصالحة الوطنية إلا بها وتتمثل في: -

  1. الاتفاق على برنامج وطني يتضمن الاستناد إلى القرار الدولي الذي اعترف بدولة فلسطين ومجمل القانون وقرارات الأمم المتحدة، وهذا لا يشكل اعترافاً بإسرائيل ولا بشروط اللجنة الرباعية المجحفة.
  2. إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير والحركة الوطنية والتمثيل الفلسطيني وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية وللمشروع الوطني.
  3. وضع السلطة الفلسطينية في مكانها الطبيعي والتي تعتبر أداة من أدوات المنظمة.
  4. تخلي أبو مازن وحركة فتح عن قيادتها الانفرادية وهيمنتها على السلطة والمنظمة والاستعداد للمشاركة في بلوة برنامج قواسم مشتركة.
  5. التوجه وبكل قوة نحو صناديق الانتخابات المعطلة منذ فترة التي قد تخرجنا من عنق الزجالة والانسداد ومن ثم التسليم والرضى بمن تفرزه الصناديق الانتخابية.

خلاصة التقدير

 ما يمكن استنتاجه يشير إلى أن جلسات المباحثات بين حركتي فتح وحماس ستكون حاسمة ومصيرية في مستقبل المصالحة الوطنية، ومن الواضح أن عباس يبعث رسائل واضحة يتنصل عبرها من تفاهمات المرحلة الماضية، ويضع شروطًا تعجيزية حتى يدفع حماس إلى الزاوية ويخرج الجميع من حالة الوفاق.