لا شك أن العالم يشهد تغيّرات وتحولات جيوسياسية،وجيواقتصادية، عميقة، ما كانت لتكون لولا نجاحات المخططات الجيوثقافية التي تستهدف الشعوب والفئات العمرية المختلفة الواقعة ضمن مجالات النفوذ الدولي المباشرة والغير مباشرة.
وبحسب ما جاء حول الثقافة في العلوم الاجتماعية فان الصيرورة التي تشهدها كل ثقافة تكون في وضعية تماس ثقافي، أي كل ثقافة هي صيرورة دائمة من البناء، والهدم، واعادة البناء.
وفي ضوء ذلك؛ فان ما يطلق عليه خطر الاختراق الثقافي، يمثّل نوعاً من أنواع الحروب من الجيل الرابع والخامس، وهو عبارة عن تثاقف ليس عفوياً أو طبيعياً إنما هو تثاقف مخطط له ومراقب بعناية.
وهو بحسب "النظام الرأسمالي" استعمار جديد، وفي "النظام الشيوعي" يطلق عليها "ثقافة بروليتارية"؛ وهي تتجاوز الثقافات الدينية، والقومية وتحتويها.
وإن هذا المخطط الثقافي المسموم، يتولّد دون عناء كبير من الجهة المصدرة لتلك الثقافات، بل يزداد تأثيرها مع مرور الوقت، من خلال الجذب وازدياد الطلب من قبل المجموعات الموجودة في وضعيات ثقافية هامشية، أو من قِبَل الواقعين في تناقضات ثقافية قاهرة، والتي تسعى لتغيير نمط حياتها وتطوير وتحفيز واقعها الاقتصادي، أو العاطفي. كونها تقبع في بيئة معقدة وتعج فيها التناقضات والخلافات بأنماطها المختلفة.
وغالباً ما يحدث الاختراق الثقافي، أولاً: بفعل غياب الرقابة المجتمعية المُحكمة. ثانياً: غياب البدائل، في ظل اتساع المساحات الفارغة اجتماعياً.
والتي يستغلها المهيمن الثقافي على الماكينات المصدّرة للثقافات والأنماط الثقافية الدخيلة.
لذا لا غرابة حين نلاحظ التراجع في مستوى القيم الأخلاقية والدينية والوطنية والمجتمعية الأصيلة على حد سواء، وكذلك ما يطرأ من دعوات جريئة وبشكل معلن حول ما يندرج تحت سياق نظريات الجندر و النسويات. تحديداً في حال طال أمد الاحتلال.
فقد أخبرنا فلاسفة السياسة أن المجتمعات التي ترزح تحت نير الاحتلال، تسوء أخلاقها كلما طال أمد هذا الاحتلال.
وهذا بدوره يدفع ذوات العلاقة إلى ضرورة حماية الجبهة الداخلية من التثاقف المخطط والمراقب من قبل الجهات الخارجية، من خلال المسارعة في ملئ الفراغات الثقافية والمجتمعية عبر نفس الأدوات الناقلة لتلك الثقافات، هذا من جانب.
من جانب آخر من الضرورة التركيز على اعادة تنشئة الأجيال من سن البستان حتى سن البلوغ، عبر المؤسسات الخاصة والعامة لا سيما التعليمية والتربوية منها على وجه الخصوص؛ بهدف تحصين الجيل الذي يراهن الأعداء على هدمه ثقافياً، وسلخه عن الموروث الديني، والقومي، والمجتمعي المحافظ.
علماً بأن التثاقف المصدّر إلى مجتمعاتنا مقرون بوسائل السعادة التي يبحث عنها كل فرد في ظل ضغوطات الحياة، ويسهم بتعزيز الواقع الاقتصادي، لكل من يقع تحت تأثير هذا التثاقف.
وذلك ما نشهده عبر منصات الاعلام الجديد من مشاهد ومشاركات وحوارات خادشة للحياء، ودعوات متعارضة مع القيم النبيلة الموروثة. فانه كلما تميزت وتنوعت تلك النشاطات كلما كان الوصول الاعلامي أكثر، والمردود المالي مجزي. ويشعر المستهدف باثبات ذاته مجتمعياً من ناحية نفسية بشكل كبير.
خاصة في ظلّ تعدد القرائن الدالة على أن حالة التثاقف التي تتعرض لها مجتمعاتنا ليست طبيعية أو عفوية، بل مخططة ومراقبة، وتوظف لأغراض سياسية خبيثة.