الحاضنة الشعبية ودورها في تعزيز المقاومة

المقدمة

شكلت الحاضنة الشعبية الفلسطينية أرضاً خصبة للمقاومة ومثلت إحدى الركائز الأساسية للثورة منذ بدء الاحتلال لأرض فلسطين، كما ساهم أمر الاحتلال في كسب حاضنة شعبية أوسع من حركات تحرر أخرى، بسبب وضوح العدو، وساعد المقاومة الفلسطينية في اختصار مراحل واسعة من الدعوة والإقناع لكسب التأييد الشعبي.

وتوفرت للمقاومة الفلسطينية منذ انطلاقتها الحاضنة الشعبية بالرغم من تشتت الشعب الفلسطيني في العالم، وكون الحاضنة الشعبية بكل تلك الأهمية فقد حاول الاحتلال وكل من يتضرر من وجود المقاومة وقوتها، أن يجهض هذه الحاضنة والبيئة الشعبية عبر مخططات كبرى استهدفت كل أشكال الالتفاف حول المقاومة ودعمها، إذ أدرك المحتل أن ثقافة المقاومة نفسها التي تعتنقها الجماهير الفلسطينية هي الكفيلة بإبقاء الكفاح المسلح حياً ومتوارثاً من جيل إلى جيل.

وفي هذه الورقة سنتطرق إلى مفهوم وتكوين الحاضنة الشعبية ودورها في تعزيز المقاومة الفلسطينية إضافة إلى الممارسات الإسرائيلية تجاه الحاضنة.

أولاً: الحاضنة الشعبية

هي ذاك الإطار الاجتماعي الذي يرى بناء على قناعته وإيمانه في المشروع الذي تحمله المقاومة منقذاً له من ظلم ظالم أو احتلال محتل، رائيةً فيها كمجموع وفي منتسبيها كآحاد؛ قادة وأفراد، ذلك النموذج الذي يصدّق قولَه فعلُه؛ فيُجدَر أن يحتذى به، مؤمنة بالنصر الذي توعد به، مستعدة لتحمل الأكلاف التي تترتب على دعمها للمقاومة، مؤمّنة لها ــ للمقاومةــ سبل الدعم والاسناد المادي والمعنوي المطلوب لانتصارها على غريمها وعدوها.

ويمكن أن تعرف الحاضنة الشعبية بأنها مجموعة من الفعاليات والمواقف الشعبية المساندة لقضية ما، وتأتي انعكاساً لموقف أيديولوجي أو سياسي، كما تتأثر بالانتماء إلى ثقافة مشتركة، وتتسع أو تضيق حسب الظروف السياسية. وحدود تأثيرها فلسطينياً يتمثل بتعزيز المقاومة والمساندة، وعربياً ودولياً بتفعيل الجماهير للتأثير في السياسات العربية والدولية تجاه “إسرائيل” وصولاً إلى تغييرها.

وبتعبير ثالث يمكن القول بأنه المصطلح الذي يُطلق على التأييد والدعم الشعبي للثائرين أو للمسلحين أمام خصومهم، سواء كان هؤلاء الخصوم النظام القائم المحلي أو القوة الأجنبية المحتلة.

ويمكن استخلاص من تلك المصطلحات 4 ركائز لمفهوم الحاضنة الشعبية:

  1. إطار اجتماعي.
  2. الإيمان بالقضية والمشروع.
  3. تقديم الدعم والاسناد.
  4. تحمل الأثمان والكلفة.

وعليه يمكن القول باختصار إن الحاضنة الشعبية هي إطار اجتماعي يؤمن بمشروع المقاومة ويساهم في تعزيزه ودعمه مهما كلف من ثمن.

ثانياً: تطوير الحاضنة الشعبية

يستغرق توسيع وتطوير حاضنة شعبية وقتاً وجهداً مستمراً، ويعتمد على التعاون والتنسيق بين الأفراد المشاركين، كما يجب أن تكون الحاضنة شعبية ومتنوعة وتضم أفرادًا من خلفيات مختلفة وتمثل مجتمعًا واسعًا من الأفراد المهتمين بالقضية.

وثمة عوامل تساهم في تطوير وتوسيع الحاضنة الشعبية، سنركز على أهمهما فيما يخص مشروع المقاومة:

  • إقناع الجماهير بعدالة القضية: وهذا يتطلب تقديم رؤية واضحة ودلائل قوية وفيما يخص الحالة الفلسطينية فهي أيسر الحالات في القدرة على اقناع الحواضن إذا ما تم الاستثمار الجيد وتفنيد مشاريع التسوية البديلة المطروحة من خلال طرح السياق التاريخي لها.

الدوافع الدينية: أي مشروع بصرف النظر عن ماهيته فإن أقرب عنصر وأقوى عامل في التأثير هو العامل الديني وبالتالي تدعيم مشروع المقاومة الذي هو في الأساس مشروع ديني يجب أن يطرح أمام الجماهير من منبر الدعوة والجهاد والحث عليه.

  • الإعلام: الإعلام أحد أهم الوسائل في الوصول إلى الناس وقطع المسافات وتقليل الجهود وبالتالي امتلاك وسائل إعلامية متنوعة ذات رسالة واضحة يسهل عليك الكثير من مشروع تكوين الحواضن الشعبية.
  • معاملة الجمهور: يعد من العوامل المهمة لكثير من الناس فاقتراب القادة وأصحاب الجماهير من الناس والجمهور يذلل كثير من العقبات ويعطي مزيداً من الطمأنينة لدي الأفراد وبالتالي الولوج في ذات النهج.
  • إشراك الجماهير: المشاركة في الرأي أو العمل أو الاطلاع يعزز أواصر الثقة بين أصحاب القرار والجمهور وبالتالي اتخاذ القرارات سيكون أسهل وأيسر بصرف النظر عن مدى صحته أو مناسبته للحالة.
  • إدارة الشأن العام: يعد من أهم الركائز خصوصاً إذا كان من يقود مشروع المقاومة مسؤول عن إدارة منطقة معينة فبالتالي توفير الخدمات الأساسية والقدرة على تجاوز العقبات والتحديات الحياتية يعطي مزيداً من الايمان لدى الأفراد بقدرة هذه الشريحة على تولى بقعة أكبر أو المشروع الوطني.
  • الانفتاح: المقصود به تبني سياسيات مرنة يتم فيه احتواء غالبية الأطراف على المستوى الداخلي، أما على المستوى الخارجي فهو انشاء العلاقات الداعمة للمشروع، بما يجود مسار إدارة المناطق ويعزز الرواية، ويسهل العمل في المناطق الأخرى.
  • توظيف النجاحات العسكرية سياسياً: ضرورة توظيف الإنجازات العسكرية بنتائج سياسية ملموسة على الأرض لكسب الرضا الشعبي.
  • المراجعات: التقييم والمراجعات من الوسائل المهمة لتجنب تكرار الأخطاء واتخاذ قرارات أنسب، ما يثير إعجاب الجماهير بالمنظومة العاملة ويعزز الالتفاف حولها.

ووفقا لما ذكر آنفاً فإن القائمين على المشروع المقاوم يجب أن يكونوا قادرين على تأمين متطلبات صمود هذه الحاضنة الشعبية من خلال ما يلي:

  1. تعويض خسائرها: تعوضها عن الخسائر ــ ما أمكن ــ التي لحقت بها من جراء تقديمها للدعم والمؤازرة والتغطية للمقاومة ورجالها حماية لهم من المعتدي.
  2. 2. حمايتها من بطش المحتل أو الظالم وعملائه: فإن في مثل هذا الفعل والسلوك، تثبيتاً وإشعاراً لهم أن هناك جهة تقتص من ظالمهم وتؤذي مؤذيهم وأنها ظهرٌ لهم ومتراس يمكن الركون له، فتسقط هيبة عدوهم من عيونهم ويرقى حاميهم في نفوسهم.
  3. تأمين المتطلبات الحياة الحيوية لهذه الحاضنة: بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال ما لديها من علاقات وصلات، وما تملكه من قدرات خشنة أو ناعمةـ
  4. 4. العدالة وعدم المحسوبية: كما أن من الأمور المهمة في تكوين الحاضنة الشعبية، توفر قسط من العدالة وعدم المحسوبية، يأمن معه أبناء الحاضنة الشعبية على أنفسهم وأموالهم من عدوان المعتدين، ويشعرون أن هناك من يحصل لهم حقهم إن ضُيّع أو انتهك؛ محلياً أو أجنبياً.

 

ثالثاً: دور الحاضنة الشعبية في دعم المقاومة

يعتبر النشاط الشعبي والدعم من قبل السكان المحليين للمقاومة جزءًا أساسيًا من النضال الفلسطيني للحصول على الحرية والاستقلال، آخذين بعين الاعتبار أنه لا يجب تحميلها أكثر مما تطيق، ويتجلى دور الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية في عدة جوانب، منها:

  • رافعة: تعمل الحاضنة الشعبية على تعزيز مكانة المقاومة الفلسطينية كما تشكل رافعة للعمل الوطني.
  • المتابعة والرقابة: تحدث الحاضنة الشعبية حالة من التوازن بين المجتمع والقائمين على مشروع المقاومة بحيث لا تسمح بالتغول والاعتداء إضافة إلى حماية قواعد ومؤسسات المجتمع.
  • التفاعلية: التداخل والاندماج بين الأفراد ومشروع المقاومة بما تمثله الحاضنة من طاقات حيوية يمكن استثمارها في أهداف أخرى أو خفية تخدم المشروع المقاوم.
  • التكاملية والإنجاز: يمكن للحاضنة الشعبية أن تقوم بتكملة دور المقاومة في بعض المهام من خلال وسائل وطرق مختلفة بما يحقق الهدف وينجزه ضمن خطة معينة ووسائل العمل الكثيرة يمكن طرحها في النقاط القادمة.
  • الدعم البشري والمادي للمقاومة: إن أول مهام الحاضنة الشعبية التي يفترض أن تقوم بها تجاه المقاومة هو تأمين الدعم البشري والمادي لها من خلال المد بالعنصر البشري المقاتل، وعناصر الدعم المدني كالأطباء، مهندسين، ممرضين، مهنيين، إضافة إلى الدعم المالي، والمساهمة في تأمين المتطلبات المدنية من ماء وغذاء ودواء عند الحاجة.
  • الدعم المعنوي: أول مهمة وأهم واجب يقع على الحاضنة الشعبية؛ هو إبقاء جذوة المقاومة حية في نفوس أبناء الشعب، والقيام بفعاليات تمجد المقاومة كفعل أصيل، والشد من عضد المقاومين.
  • تأمين الغطاء والستار: تأمين أماكن الإيواء والإخفاء للأفراد والأدوات، إضافة إلى أنه مصدر معلومات رديف للمقاومة.
  • تعزيز الوحدة الوطنية: تعتبر الوحدة الوطنية بين الفصائل الفلسطينية أمرًا حيويًا لتحقيق الأهداف المشتركة. تعمل حاضنة الشعبية على تعزيز التفاهم والتوافق بين الأطراف المختلفة لتوحيد الصف والتحرك بشكل متكامل نحو التحرر.
  • التواصل الدولي: تلعب حاضنة الشعبية دورًا مهمًا في توجيه الانتباه الدولي إلى القضية الفلسطينية ومختلف انتهاكات حقوق الإنسان التي تتعرض لها الشعب الفلسطيني كما تساهم في توثيق الانتهاكات ونشر المعلومات حول المشاكل التي يواجهها الفلسطينيون لكسب دعم المجتمع الدولي لقضيتهم، وتعزيز مشروعية العمل المقاوم.
  • العمل الإغاثي والإنساني: تقوم الحاضنة الشعبية بتقديم المساعدات الإغاثية والإنسانية للفلسطينيين الذين يعيشون في المناطق المتضررة بسبب الاحتلال، سواء كان ذلك نتيجة لهدم منازلهم أو استيلاء "إسرائيل" على أراضيهم، مما يخفف الأعباء عن كاهل المقاومة.

 

رابعاً: السياسة الإسرائيلية تجاه الحاضنة الشعبية

يعمل الاحتلال الإسرائيلي على استهداف الهويّة الجمعيّة التي تتأسّس عليها البنى السياسيّة والمعرفية الفلسطينيّة وتشكّل الحاضنة الشعبيّة لها. فالاستهداف الإسرائيليّ للفلسطينيّ يتميّز على طول الطريق والتجربة باثنين: الهدم المادّي أولًا الذي يتمثّل بالتهجير والاستيطان والضم، وهدم المؤسسات والتنظيمات والحيّز الذي يعيش فيه ومن خلاله المُجتمع؛ ومن ثم تبدأ عمليّة الهدم الرمزيّ للقيم السياسيّة والاجتماعيّة التي يتأسّس عليها المُجتمع.

ثنائيّة الهدم هذه لكلا الطرفين اللذين يشكلّان سويًا التنظيم الاجتماعيّ- السياسيّ الفلسطينيّ، والحيّز المادّي الذي يعيش ويتطوّر فيه هذا المجتمع عبر التخطيط والحصار والخنق، هما جوهر السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيّ: بعد مُحاصرة المكان وقتله، تبدأ عمليّة مُحاصرة المجتمع الذي يعيش داخله واستهدافه لتفكيكه قيميًا.

ومن أبرز ممارسات الاحتلال للضغط على الحاضنة الشعبية:

  • البناء الاستيطاني وتفتيت البلدات الفلسطينية.
  • الضغط الاقتصادي.
  • الاعتقالات والاقتحامات.
  • القمع والتهجير.
  • هدم المنازل.
  • أسرلة التعليم.
  • استهداف الرموز الوطنية.
  • ضرب المنظومة القيمية.
  • افتعال الإشكالات الداخلية وتعميق الانقسام الفلسطيني.
  • إغلاق المؤسسات الفلسطينية.
  • الحصار وتقييد الحركة.

 

   الخاتمة

المقاومة الفلسطينية تحتاج لبعد شعبي يوفر لها الدعم والحماية، وعلاقة السكان في أي مجتمع بالمقاومة هي علاقة حساسة وعامل مهم في نجاح أو فشل هذه المقاومة، فالسكان والأهالي هم الغطاء الأساسي ومصدر القوى البشرية وكذلك مصدر المعلومات الأمنية إضافة إلى كونهم مصدر الايواء والاختفاء للمقاومة ورجاله.

لذا فتعزيز صمود الحاضنة الشعبية من الأولويات التي لا بد العمل من أجلها، والحاجة لها اليوم ضرورة في ظل التكالب على القضية الفلسطينية للنيل من الثوابت وكسر عزيمة أبناء شعبنا الفلسطيني، ونحن اليوم في أمس الحاجة لتكون حاضنة قوية ومتماسكة كي نواجه عدونا دون أن تخذلنا تلك الحاضنة.


الحاضنة الشعبية ودورها.pdf