أسرلة المناهج التعليمية بمدينة القدس بين الفرض والمواجهة

أسرلة المناهج التعليمية بمدينة القدس بين الفرض والمواجهة

إن المتتبع للأحداث في مدينة القدس وما يجري بها وحولها منذ إحتلالها عام 1967 يتكشف له مدى إجرامه وساديته التي تجاوزت الأرض والتراب، سيما أن الحركة الصهيونية منذ تأسيسها شرعت في تنفيذ مخططاتها الخبيثة عبر فرض سياسات أدت إلى تغيير الواقع الجغرافي، والعمراني، والاجتماعي، والديمغرافي في مدينة القدس، بهدف إحكام السيطرة المطلقة على أراضي المدينة وما حولها، وإعادة صياغة تاريخ القدس من جديد، عبر إنتاج أسطورة "أورشليم" القديمة واستحضارها بهدف ترسيخ تحويلها إلى عاصمة أبدية لــــ " إسرائيل".

ونظراً لأهمية التعليم الذي يعد الحلقة الأهم في الصراع "الإسرائيلي" الفلسطيني، فقد سعت "إسرائيل" إلى اتباع سياسات تهدف في مجملها إلى تهويد التعليم في مدينة القدس، وتجهيل العرب في هذه المدينة المقدسة، وخلق جيل يهودي قادر على التضحية بالغالي والنفيس في سبيل المحافظة على هذه المدينة والتمسك بها، بعد إيهامه بعمق وقوة انتمائه لها من خلال التعدي على كافة مظاهر الحياة الإنسانية والثقافية والسياسية والاقتصادية، وصبغها باللون التهويدي وبثقافته القائمة على تشويه الحقائق والتاريخ وإلغاء الأخرين.

مارست "إسرائيل" منذ سيطرتها الكاملة على مدينة القدس عدة سياسات منها: إخضاع قطاع التعليم فيها لسياسة التجهيل، حتى وصلت نسبة التسرب الدراسي لدى الطلبة الفلسطينيين في ثمانينات القرن الماضي إلى النصف تقريباً؛ ما شكّل تهديداً حقيقياً على مستقبل وعي الشعب الفلسطيني. وذلك من خلال منع التعليم من القيام بدوره في المساهمة الفاعلة في التنمية، وحرمان القائمين على نظام التعليم من الإحتكاك بالعالم الخارجي، والتعاون مع المجتمع الدولي، بما يعرقل أي محاولة للتقدم على المستوى الحضاري والإنساني. كما عمدت "إسرائيل" إلى خفض الموازنات الخاصة بقطاع التعليم، وفرض سياسات بحق المراكز التعليمية وإغلاقها، وبالتالي أصبح التعليم في مدينة القدس في غاية الخطورة، بسبب ما يتهدده من أساليب وإجراءات تقوم بها "إسرائيل"، تحاول من خلالها طمس كل ما هو فلسطيني في هذه المدينة المقدسة.

 

كما سعت " إسرائيل" لفرض البرنامج التعليمي الصهيوني بصورة تدريجية بما يعرف اليوم بـــــ" أسرلة التعليم، والذي هدفت من خلاله إلى تشويه الحقائق التي تضمّنتها المناهج المقرّرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الإساءة لديننا الحنيف وللأنبياء والرسل والحضارة العربية والإسلامية، وتزييف الحقائق التاريخية، وطمس مادة العقيدة الإسلامية وتشويهها، فرأت أن الإسلام هو تربية روحية، وأن تاريخ الإسلام هو تاريخ فتن ومصائب، وحاولت إقناع الطلبة بالأفكار الصهيونية، وعملت على تغييب السور المتحدّثة عن بني إسرائيل والفساد في الأرض أو السور والآيات التي تحثّ على القتال والجهاد، واستبدالها بتدريس التوراة المزيفة والأساطير اليهودية، ومثال أخر: في مادة الأدب العربي تم تغييب دراسة الشعر العربي في الجزء الذي يتحدث عن البطولات العربية والفلسطينية ويمجدها، واعتماد مواد خاصة بما يسمى الأدب " الإسرائيلي" والذي يسرد عدد من القصص والروايات الصهيونية التي تتحدث عن المحرقة وغيرها. أما في مادة التاريخ فتم تقسيم المنهاج المعتمد بتخصيص نصف المناهج للتاريخ العربي كما يكتبه ويراه المؤرخون الصهاينة، والنصف الآخر خصص للتاريخ العبري واليهودي.

ورغم كل المحاولات التي إتبعتها "إسرائيل" في طمس الهوية من خلال ما عرف بـــ "أسرلة" التعليم، إلا أن أهل القدس لم يقفوا مكتوفي الأيدي حيال ذلك وخاصة ما عرف باتحاد أولياء الأمور في القدس، حيث قاموا بالعديد من الخطوات التصعيدية حيال ذلك عبر الإضرابات التي بلغت نسبتها 95%، والمطالبة المستمرة بعدم التدخل "الإسرائيلي" في المناهج التعليمية، والإعتراف بأن التدخل بالمنهاج الذي يُدرس لأبناء القدس ليس من حقها.

ختاماً، نوصي بضرورة الدعم الرسمي والشعبي لأهالي مدينة القدس في وجه الممارسات "الإسرائيلية" الخطيرة والتي تسعى جاهدة إلى أسرلة التعليم وكي الوعي لطلبة مدينة القدس، والإستناد على  قرار منظمة اليونسكو رقم 212م ت/43، القاضي ببطلان جميع التدابير التشريعية والإدارية وغيرها من الإجراءات التي تتخذها "إسرائيل" بصفتها قوة محتلة، والتي تغير أو ترمي إلى تغيير طابع مدينة القدس المحتلة ووضعها القانوني. كما نوصي بأهمية أن تأخذ وزارة التربية والتعليم الفلسطينية دورها في حماية المنهاج الفلسطيني بكل السبل المتاحة في وجه الغطرسة "الإسرائيلية"، وأخيراً نوصي بالدور الهام لمراكز حقوق الإنسان في فضح ممارسات "إسرائيل" عبر حملات واليات مستمرة تهدف من خلالها للوقوف سداً منيعاً أمام قرارات الإحتلال الجائرة بحق طلبة مدينة القدس وتحريف منهاجها.