المجتمع الدولي والقضية الفلسطينية، مواقف مهمة لكنها غير كافية

في الحادي عشر من مايو/أيار عام 2022، استيقظ الفلسطينيين على نبأ اغتيال قوات الاحتلال "الإسرائيلي" للصحفية في قناة الجزيرة شرين أبو عاقلة أثناء تغطيتها لاقتحام قوات الاحتلال لمخيم جنين في الضفة الفلسطينية، حيث أصيبت في رأسها برصاصة مباشرة من قناص، رغم ارتدائها سترة الصحافة والخوذة الواقية.

شكلت الحادثة صدمة، ليس للشارع الفلسطيني الذي تعود على تغطية "أبو عاقلة" للأحداث الفلسطينية منذ ما يقرب من عقدين من الزمان، بل لكل العالم، وعلى إثر ذلك توالت ردود الأفعال الدولية، التي أدانت الحادثة.

وفي هذا السياق، دعا مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط "تور وينسلاند" لإجراء تحقيق "فوري وشامل" في مقتل الصحافية شيرين أبو عاقلة ومحاسبة المسؤولين، وكتب على "تويتر": "أدين بشدة مقتل مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة التي أصيبت برصاصة حية صباح اليوم، أثناء تغطيتها عملية نفذتها قوات الأمن الإسرائيلية في جنين بالضفة الغربية المحتلة".

ونتيجة لذلك، عقدت لجنة تحقيق دولية مستقلة سلسلة من جلسات الاستماع العامة لشهادات، وإفادات بشأن حادثة الاغتيال، اختتمت في الحادي عشر من نوفمبر/تشرين ثاني 2022، إذ أدت تلك الجلسات لأن تتبنى الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار إدانة لمقتل الصحفية شرين أبو عاقلة، وقد تضمن القرار دعوة للمساءلة فقط!.

جاء قرار الإدانة من الجمعية العامة للأمم المتحدة، رغم وصفت المقررة الأممية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، "فرانشيسكا ألبانيز"، اغتيال شيرين بأنه جريمة حرب.

ولم تقف ممارسات كيان الاحتلال الإجرامية عند حد الاغتيال المباشر -من خلال التصفية الجسدية-، فقد شهدنا في الثاني من مايو/أيار 2023 حادثة الاغتيال الممنهج للأسير الفلسطيني في سجون الاحتلال "خضر عدنان"، الذي توفي نتيجة الإهمال الطبي المتعمد من جانب إدارة السجون"الإسرائيلية"، رغم تدهور حالته الصحية، حيث أضرب الأسير عن الطعام اعتراضاً على سياسة الاعتقال الإداري بحقه، وهي السياسة التي ينتهجها كيان الاحتلال لتقييد حرية الفلسطينيين دون محاكمة.

وفي هذا السياق أصدرت المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية السيدة "فرانشيسكا ألبانيز"، والسيدة "تلالنغ موفوكينغ" المقررة الخاصة المعنية بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة البدنية والعقلية، بياناً جاء فيه: "مصرع خضر عدنان هو شهادة مأساوية على سياسة وممارسات الاعتقال "الإسرائيلية" القاسية واللاإنسانية، فضلاً عن فشل المجتمع الدولي في محاسبة إسرائيل على المخالفات القاسية التي تُرتكب ضد السجناء الفلسطينيين".

تلك حادثتين، تظهران وضوح الإرهاب "الإسرائيلي" بحق الفلسطينيين، ووجود المسوغ القانوني والأخلاقي لمحاسبة "مجرمي الحرب"، إلى أن شيئاً من ذلك لم يحدث، حيث تمادى كيان الاحتلال "الإسرائيلي" في إرهابه، بأن أقدم على عدوانٍ جديد؛ في ساعات الفجر الأولى من يوم الثلاثاء الموافق 09 مايو/أيار 2023، وعلى مدى ساعتين متواصلتين، نفذت قوات الاحتلال الإسرائيلي خلالها غاراتٍ جوية استهدفت عدة منازل، حيث أسفرت هذه الهجمة عن استشهاد ما لا يقل عن ثلاثة عشر شخصاً، من بينهم أربعة أطفال وستة نساء، إضافة لعدد كبير من الجرحى، وذلك وفق بيان لوزارة الصحة الفلسطينية، ومن بين الشهداء ثلاثة قادة من حركة الجهاد الإسلامي، كانوا بين أُسرهم وليس في مواقعٍ عسكرية.

جاء هذا العدوان الجديد على شعبنا، بعد الشروط التي وضعها ما يسمى بـ "وزير الأمن القومي" لدى الاحتلال "إيتمار بن غفير"، لعودة حزبه “القوة اليهودية” إلى التصويت في الكنيست لصالح الائتلاف الحكومي، الذي يقوده "بنيامين نتياهو"، إذ اشترط "بن غفير" العودة لسياسة الاغتيالات في قطاع غزة.

من بين الشهداء في هذا العدوان البربري، كان الدكتور "جمال خصوان"، وهو طبيب أسنان مخضرم وله سمعة طيبة، ويشغل منصب رئيس مجلس إدارة مستشفى الوفاء بغزة، قضى د.خصوان برفقة زوجته وابنهما الكبير فيما أصيب أربعة أطفال لهم.

وكالعادة، أدان منسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط "تور وينسلاند" العملية!.

لا شك أن الإدانات المختلفة للاعتداءات "الإسرائيلية" بحق الفلسطينيين هي عامل مهم في الصراع المستمر منذ عقود، إذ تعطي للفلسطينيين الأمل في وقوف المجتمع الدولي إلى جانبهم، إلى أنها ما زالت تتطلب تحركات فعلية تجاه محاكمة المجرمين، وإنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية، فدون ذلك ستستمر الانتهاكات.

إن الشعب الفلسطيني الذي يتطلع للحرية واستعادة حقوقه، امتلك تجاه هذا العدوان كل المسوغات للدفاع عن نفسه وعن حقه في البقاء والعيش الكريم، مستخدماً جميع الوسائل التي شرعتها القوانين والأعراف الدولية، وإلى أن يصل لحريته، سوف نشهد المزيد من الصمود والتحدي، مستنداً لحقه المكفول، ولأحرار العالم الذين ما تخلفوا عن الدفاع عنه، رغم أن الحسابات الدولية الخاصة قد خانتهم.