على بعد أقل من 10 أيام، تنطلق "مسيرة الأعلام الإسرائيلية"، احتفالاً بما يسمى "توحيد القدس" والذي يُصادف الجمعة 19 مايو/ أيار المقبل، لتجوب شوارع البلدة القديمة بالعاصمة الفلسطينية المحتلة مروراً بالحي الإسلامي ومنطقة باب العامود.
وتعتبر "مسيرة الأعلام" احتفالية سنوية تقام في الكيان الصهيوني، وتعود إلى احتلال "إسرائيل" لشرقي للقدس عام 1967، يهدف الاحتلال من خلالها إلى تأكيد السيطرة على القدس وتعزيز الهوية اليهودية فيها.
وتتخلل المسيرة رفع المستوطنين لأعلام الاحتلال، وأداء الأغاني ورقصات تلمودية في شوارع القدس والبلدة القديمة، والقيام بأعمال استفزازية، وترديد هتافات عنصرية تُحرض على "قتل العرب".
وفي الآونة الأخيرة، أصبحت المسيرة محطة من محطات التوتر بين الفلسطينيين والاحتلال، خصوصا بعد معركة سيف القدس، والتي غيرت القواعد مع الاحتلال وجعلته يحسب ألف حساب لتجنب المواجهة أو تصعيد الأوضاع.
فقد شكل العام 2021 صدمة وهزة كبيرة للاحتلال، خصوصا يوم انطلاق مسيرة الأعلام، عندما أرسل قائد أركان المقاومة محمد ضيف رسالة تحذير للاحتلال الذي حاول أن يتجاهلها فكانت الساعة السادسة نقطة تحول كبيرة في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وما أعقبها من بدء معركة سيف القدس.
وبالنظر إلى ما أنتجته تلك المعركة، نجد أن احتفال المستوطنين بيوم مسيرة الأعلام، أصبح يشوبه الكثير من الحذر والإجراءات الأمنية التي تأمر بتجنب المرور من الحي الإسلامي بالبلدة القديمة وتجنب استفزاز المقدسيين.
وبتتبع السياسية المنتهجة من قبل الاحتلال الإسرائيلي في التعامل مع مسيرة الأعلام عقب معركة سيف القدس، فإنها تتراوح بين الترغيب والترهيب، فيبدأ الاعلام الإسرائيلي ينشر على لسان مسؤولين أمنيين وسياسيين رسائل مفادها أن المسيرة لن يتغير مسارها وأن المقاومة الفلسطينية ستتحمل النتائج وسيكون الرد قاسيا إذا ما أقدمت الأخيرة على فعل أي شيء.
وعلى جانب الترغيب تبدأ رسائل الطمأنة عبر الوسطاء بأن الأمور لن تتغير، وأنه المسيرة لن تمر عبر الحي الإسلامي، والمطلوب عدم إثارة الشارع المقدسي.
وفي هذا العام، فإن الأمر يختلف ومستجدات الأحداث متسارعة وتصب في مصلحة المقاومة الفلسطينية، في ظل ضعف حكومة الاحتلال الإسرائيلية والمشاكل الداخلية، إضافة إلى تطور المقاومة وتعدد ساحاتها.
لكن بالرجوع إلى سياسة الاحتلال المتبعة لم تتغير فأن الترغيب حضر والترهيب أيضا حاضر، فثمة أخبار تفيد بأن الاحتلال نقل رسائل تهديد عبر مصر لحماس والجهاد بأنه إذا حدث أي انتهاك أو محاولة لعرقلة مسيرة الأعلام، فإن الرد سيكون قاسياً.
وفي ذات السياق، فإن الأخبار الواردة تفيد بأن المنظومة الأمنية تعتبر مسيرة الأعلام فرصة توتر مع حماس، لذلك تدرس إمكانية السماح بإدخال المزيد من أموال المنحة القطرية لتقليل فرصة حدوث توتر.
وكذا فإن نتنياهو أوعز بأن مسيرة الأعلام ستقام كما هو مخطط، لكن لن تدخل الحي الإسلامي في البلدة القديمة بالقدس.
وبقراءة الأخبار الواردة فإن تصريح نتنياهو هو الأكثر الواقعية وهو السيناريو الأقرب لما ستؤول إليه الأمور يوم الجمعة الموافق 19 أيار/ مايو المقبل، نظراً لمستجدات الأحداث والتغيرات الكبيرة الجارية على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي.
وبقراءة سريعة في التطورات والتغيرات الجارية، فإن الكفة ترجح كفة المقاومة الفلسطينية، فالمقاومة ما زالت تحافظ على قواعد الاشتباك مع الاحتلال وعنوانها الأبرز بأن القدس والمسجد الأقصى خطان أحمران لا يمكن المساس بهما، وهو ما أكدته الأحداث والجولات الأخيرة مع الاحتلال وخصوصا في شهر رمضان المبارك.
كما أن المتغيرات الجديدة التي طرأت وزادت من الضغط على الاحتلال واحساسه بالخطر المحدق هو اشراك الساحات الأخرى بمعركة الدفاع عن القدس، كلبنان وسوريا، وهو السيناريو المخيف لدى الاحتلال الذي بدأ يحسب له ألف حساب قبل التفكير بالولوج في أي معركة كبيرة مع المقاومة الفلسطينية.
كما أن جهوزية المقاومة الفلسطينية وتطور أساليبها في الآونة الأخيرة، وما شهدته معركة الانتقام للشيخ خضر عدنان خير دليل على ذلك الأمر، يجعل الاحتلال يعيد تفكيره في أي خطوة من شأنها أن تزيد من التوتر أو تصعد من الأوضاع والأمر ينطبق على مسيرة الأعلام.
كما أن الخلافات الداخلية لها تأثير قوي على القرارات الكبرى في الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى بعض العناصر المتطرفة المشاركة في الحكومة وما لها من تأثير على زيادة انقسام الشارع الإسرائيلي.
وعلى صعيد الأحداث الدولية، فإن المتغيرات الحاصلة ونتائج الحرب الروسية الأوكرانية وزيادة النفوذ الصيني والتقارب السعودي الإيراني وعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وما لها من تأثير على النفوذ الأمريكي في المنطقة، يحتم على الاحتلال الإسرائيلي أن يحاول قدر المستطاع تجنب معركة كبيرة مع غزة، تفقده عامل الدعم الأمريكي أو الأوروبي كما كان في السابق.