الخطوة الأمريكية ما بعد التراجع في الشرق الأوسط

تقرير سابق لمجلة Slate الأمريكية سلّط الضوء على الجدل في أروقة السياسة الأمريكية، بشأن اللقاءات السرية بين إيران والسعودية على الأراضي العراقية، مع غياب الولايات المتحدة، 

ورأت المجلة أن هذا التحوُّل كان مدفوعاً بالايمان بأن أمريكا تبتعد عن الشرق الأوسط بمحض ارادتها بعدما شعرت أنها علقت في وحل الصراعات الشرق أوسطيه دون أن تجني منها سوى الفشل والتراجع. 

وبالتالي فإن غياب الولايات المتحدة عن الاتفاق، وعدم قدرتها على اظهار موقف ثابت منه، يجعلنا على درجة عالية من اليقين أن الولايات المتحدة أصبحت تسعى لخطوة ما بعد التراجع ألا وهي: (الانفصال التام عن منطقة الشرق الأوسط) . 

وعلى ضوء ذلك فإنني أرجّح أنّ هذا الانفصال يأتي على طريق الانعتاق التام من منطقة الشرق الأوسط وتركها لمواجهة مصيرها بنفسها. 

و غالباً هذا ما يفسره الانسحاب الأمريكي من العراق، أفغانستان، وكذلك سحب الدفاعات الأمريكية الاستراتيجية من القواعد في المملكة العربية السعودية، بالاضافة للانسحاب من منطقة البحر الأحمر، ومحاولة التغطية على هذا التقهقر باستمرار اشغال روسيا وأوروبا في حالة استنزاف تكون هي الوحيدة المستفيدة منه. 

وعليه فإن هذا التراجع الذي أثار مخاوف حلفاء الولايات المتحدة التاريخيين في المنطقة وعلى رأسهم "إسرائيل"، دفع بالأولى لتوفير ضمانات أمنية عملية تحمي وجود "اسرائيل" بالدرجة الأولى، و بعض من التطمينات للدول العربية. 



حيث قامت بترقية "اسرائيل" من القيادة الوسطى في منطقة شرق المتوسط لمرتبة القيادة العليا، لتكون البوابة الأولى لدول المنطقة، والمركز الطاقوي والاقتصادي الأول فيها. 

وصرّحت الولايات المتحدة بأنّ  "اسرائيل" لم تعد بحاجة لمن يحمي مصالحها، هذا من جانب، ومن جانب آخر شرعت برعاية اتفاقات أبراهام في خطوة لربط مصير الدول العربية بمصير "اسرائيل" وفي مواجهة عدو واحد ضمن حلف "ميسا" الذي وصف بناتو العرب و"اسرائيل". 

ولكن المفاجئ للولايات المتحدة، أنّ المملكة العربية السعودية، قد خرجت عن خط السير المرسوم لها أمريكياً، 

وذهبت لعقد اتفاق سلام مع إيران برعاية صينية، نظراً لعدم ثقتها بالمقاربات الأمريكية، وعدم ضمانها لأمنها بشكل واقعي.

وهذا يجعلنا نشعر بحجم المعضلة التي تواجهها "اسرائيل" حالياً بعد فشل ما كانت تؤملها به #الولايات_المتحدة، وما يمكن أن يترتب على اتفاق السعودية وايران من انفضاض دول المنطقة من حولها، وامكانية لجوء #أمريكا لاعادة الاتفاق النووي الايراني السلمي بضمانات دولية. 

وهذا من شأنه أن يمثل ناقوس خطر حقيقي وتحدي استراتيجي أمام "اسرائيل"، يجعلها على شفا جرفٌ هارٍ، تنتظر من يدفعا إليه، بعدما فقدت أهم ركن في نظريتها الأمنية التي تضمن وجودها ممثلة بـ (نظرية الإعتماد).