مقدمة
أعادت حركة حماس علاقاتها مع الجمهورية العربية السورية، بعد عقد من الجفاء، ومثل لقاء رئيس مكتب العلاقات العربية والإسلامية في حركة حماس خليل الحية، برفقة الفصائل مع الرئيس السوري بشار الأسد، نقطة البداية لتلك العودة.
ومع انطلاق قطار عودة العلاقات بين الطرفين، ثمة تساؤلات تطرح على الطاولة، حول المكاسب التي يمكن أن يحققها الطرفان، والتوقيت الذي طرحت فيه اللقاءات، أو مدى ارتباط تلك العودة بالعلاقة مع روسيا، وهذا ما ستحاول الورقة الإجابة عليه.
أولا: القضية الفلسطينية في يد محور المقاومة
باتت القضية الفلسطينية أحد اهتمامات وأولويات الجمهورية الإسلامية الإيرانية وذلك منذ صعود الثورة الإيرانية وتمكنت طهران بعد سقوط نظام صدام حسين من الإمساك بزمام المبادرة في الورقة الفلسطينية عبر دعمها لفصائل المقاومة.
كما أنّ اقتراب حماس من طهران يأتي بسبب غياب الاحتضان العربي لها على المستوي السياسي والعسكري، فعلى الرغم من أنّها لم تصل لحالة القطيعة لإدراك الأطراف بأهمية تلك العلاقة، وبالتالي فإنّ إعادة العلاقة بين دمشق وحماس على وجه الخصوص هو استعادة محور المقاومة لحماس التي كانت تعصف بها متغيرات شديدة بين ربيع الثورات العربية وعلاقات مع دول وأطراف أخرى لا تريد حماس خسارتها ممثلة بالسعودية وقطر وتركيا، التي كانت على حالة من العداء مع النظام السوري.
وفي حقيقة الأمر، فإن استمرارية الدعم الإيراني لحركتي حماس والجهاد الإسلامي خفف من أثار توتر العلاقة مع سوريا، وعليه فإن عودة العلاقة ستلقي بظلالها على المشروع المقاوم في قطاع غزة والضفة الغربية، كما ستعيد الجمهورية العربية السورية للمشهد العربي مجددا كأحد الفواعل في القضية الفلسطينية.
ثانياً: بادرة لفتح علاقة مع موسكو
تسعى حماس لترسيخ مكانتها الإقليمية بالتوازي مع تطوير قدراتها ومنظومتها العسكرية، وما تمثله القضية الفلسطينية من رمزية مهمة عبر الإيمان بمبدأ المقاومة والتمسك بالثوابت الفلسطينية الدينية منها والتاريخية على تراب فلسطين، وبالتالي فإنّ حماس اتجهت في علاقتها مع دمشق.
وهذا يستدعي تحديد العلاقة مع كافة الأطراف في الداخل والخارج ومنها العلاقات بين دول لها أدوار محدودة في المنطقة أو أدوار إقليمية أو دول لها وزنها وثقلها الكبير كدول عظمى مثل روسيا.
زيارة وفد حركة حماس على موسكو في شهر سبتمبر والذي كان على رأسها رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية شكلت بوادر ومؤشرات حقيقية لرغبة الحركة فتح علاقات أكبر مع موسكو، حيث وصف هنية نتائج الزيارة ومباحثاته مع المسؤولين الروس بالإيجابية، وعلى رأسهم وزير الخارجية سيرغي لافروف، مؤكداً حرصه على التوصل إلى قرارات بشأن عدد من القضايا في الشرق الأوسط، وربما كان يقصد تطبيعه في العلاقات مع دمشق الذي من الممكن أن تشكل بوابة عبور وبادرة مهمة في تأسيس علاقات حماس مع موسكو.
ويرى مؤسس وكالة العلاقات الخارجية بروسيا الاتحادية أحمد ندا، بأنّ حماس تحتاج إلى دعم كبير من دولة عظمى كروسيا، ولكون الحركة لديها علاقات مميزة مع إيران وحزب الله، ومؤخراً مع دمشق، فإنّ هذه الحلقة يجب أن تكتمل معالمها، في تقوية العلاقات وفتح نوافذ جديدة ومستمرة مع موسكو.
وتشكل الظروف الحالية والحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا أكبر فرصة حقيقية للتقارب بين موسكو وحماس، وهذا ما يذهب إليه ندا على اعتبار أنّ الفرصة مؤاتيه، الذي يرى أنّ العلاقات بين الطرفين يجب أن تكون أفضل وأقوى مما عليه الآن، حيث أنّ العلاقات بين حماس وموسكو لا تزال في حدها الأدنى وتحتاج إلى تقوية، مشيراً إلى أنّ زيارات قيادات حماس إلى موسكو تأتي في أقات متقطعة ومتباعدة، وتسير بشكل بطيء.
ويرى أحمد ندا أنّه كان من المفترض أن تستغل حركة حماس الحرب التي تخوضها روسيا في أوكرانيا، وتتجه على تطوير العلاقات بشكل أكبر مع موسكو، حيث تعدّ هذه الفرصة أكبر فرصة حقيقية للحركة لاقتناصها واستغلالها لأنّ موسكو منفتحة في الظروف الحالية مع الجميع سواء كانوا دولاً أو قوى سياسية، وستجد حماس نفسها مرحباً بها.
كما ويعتبر ندا أنّ ما يميز موسكو أنّها على صلة مع جميع الأطراف الفلسطينية، سواء كانت السلطة الوطنية الفلسطينية أو حركة حماس الذي تدير وتحكم قطاع غزة، فهي قادرة على أداء دور إيجابي على حد تعبير على أداء دور إيجابي بين جميع الفصائل الفلسطينية وتحقيق لمّ الشمل والوصول إلى وحدة وطنية .
ويرى الخبير والمحلل السياسي رضوان قاسم، أنّ مكاسب دمشق وحماس من خلال المصالحة التي جرت مؤخراً واللقاء الذي جرى بين قادة من حركة حماس والفصائل الفلسطينية من جانب والرئيس بشار الأسد من جانب آخر لن تكون مكاسبه آنية للطرفين، وأكثر منها ستكون للفصائل الفلسطينية منها للجانب السوري، فما حصل في سوريا خلال الفترة الماضية ما كان إلا عقاباً لسوريا على مواقفها تجاه القضية الفلسطينية ودعمها لها والتي كانت دائماً صادقة ومخلصة رغم كل الضغوطات التي تعرضت لها سوريا بحسب رؤية قاسم، إذ أنّ المواقف السورية منذ عهد الرئيس السوري حافظ الأسد كانت مواقف مختلفة تماماً عن بقية الدول العربية تجاه القضية الفلسطينية، وتعرضت لضغوطات مستمرة بسببها.
ويعتقد من هنا فإنّ الخبير السياسي رضوان قاسم أنّ زيارات حركة حماس إلى دمشق ومن قبلها موسكو وطهران كلها تأتي في سبيل تطوير العمل المقاوم، كما تعد ّنقلة نوعية في التفكير نحو تعزيز الفكر المقاوم في المنطقة، باعتبار أنّ العمل التراكمي للمقاومة ضد المشروع الصهيوني في المنطقة يجب أن تتقوى دعائمه وأركانه ويجب ألا يقتصر على جبهة واحدة.
وعليه فإن من الضروري توسيع دائرة الحلفاء باعتبار أنّ العمل المقاوم في فلسطين يحتاج إلى من يقف معها من الدول الإقليمية وحتى الدول الكبرى، وهذا ما تمثل عبر دخول حماس في دائرة التحاف مع طهران ودمشق مؤخراً، لكنّها وبحسب نظرة الكثيرين فيجب أن تتوسع هذه الدائرة لتشمل موسكو لتكتمل بذلك دائرة التحالف مع المحور الشرقي الذي تمثله موسكو كرأس حربة بالدرجة الأولى ومن ثمّ الصين وهذا قد يأتي في مرحلة تالية بعد أن تقفر العلاقات بين حماس وموسكو خطوات متقدمة وتقطع أشواط أخرى متقدمة.
ثالثاً: الدوافع والمحركات في تطوير العلاقة بين حماس وموسكو
لم تكن زيارة وفد حركة "حماس" بقيادة رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية قبل أكثر من شهر إلى موسكو، هي الزيارة الأولى، كما أنّه من الممكن أن نشهد بعد عودة العلاقات مع دمشق زيارات أخرى مشابهة، خصوصاً وأنّ الزيارة الأخيرة لوفد حماس سواء إلى دمشق ومن قبلها موسكو تأتي في ظروف إقليمية ودولية متغيرة، وفي وقت تصاعد التوتر في العلاقة بين موسكو وتل أبيب، على خلفية ملفات عدّة.
ويمكن الحديث عن الدوافع والمحركات والدوافع الحقيقية في تطوير العلاقات بين موسكو وحماس من عدة جوانب مهمة ويمكن تلخيصها فيما يلي:
§ هناك تردد من كلا الطرفين في تطوير العلاقات لمستويات متقدمة على اعتبارات كثيرة منها أنّ حركة حماس لديها حسابات أخرى تتمثل في أنّ تطوير هذه العلاقة يمكن أن يكون على حساب طهران باعتبارها الحليف الاستراتيجي والأهم في دعم المقاومة والفصائل الفلسطينية المقاومة في قطاع غزة.
§ تطوير العلاقة بين موسكو وحماس يرتبط إلى حد كبير بتطوير العلاقات بين الحركة ودمشق وبمسار ترميم العلاقة بينهما فمن الأهمية بمكان أن تقطع هذه العلاقة أشواط أخرى متقدمة ومنها إعادة النشاط السياسي للحركة في دمشق وإعادة فتح مقرات الحركة على الأراضي السورية لتطوير العمل المقاومة من هناك، وأن تتخذ الفصائل الفلسطينية المقاومة من دمشق مقراً مهماً في تصعيد وتطوير العمل المقاوم ضد إسرائيل.
§ حماس عادت إلى سوريا على اعتبار أنّها حركة مقاومة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن وجدت العديد من الأنظمة العربية تستغل القضية الفلسطينية وتتاجر بها ولم تجد حركة حماس باباً يفتح لها إلا سوريا من جديد، لهذا السبب عادت الحركة لدمشق، لأنّ مصلحتها أن تعود لسوريا، وهذا سيكون له تداعيات على القضية الفلسطينية التي ستبقى مشعة من جديد وستدفن عملية التطبيع التي كان يسعى الأمريكي والإسرائيلي إلى جرّ العديد من الدول العربية إليها ونجحوا في مكان ما ولكن فشلوا مع سوريا.
§ شعور حركة حماس أنّه أمام متغير كبير جداً في العالم وأننا ذاهبون إلى عالم متعدد الأقطاب تقوده روسيا والصين والعديد من دول المنطقة مثل: إيران، وبالتأكيد سيكون لسوريا دور مهم جداً في المستقبل.
§ سيكون لسوريا أيضاً دور في أن تكون أبواب موسكو مفتوحة لقادة الفصائل الفلسطينية وعلى رأسهم حركة حماس لأنّ العلاقات الروسية-السورية في أفضل حالاتها وأنّ موسكو ودمشق دولتان مكملتان لبعضهما البعض في مواجهة المشروع الأمريكي-الإسرائيلي في المنطقة، وخاصة بعد توتر العلاقات ما بين إسرائيل وروسيا، خصوصاً في مواقف تل أبيب تجاه الحرب الروسية على أوكرانيا، عبر اصطفافها إلى جانب أوكرانيا في وجه روسيا، وهذا يعني أنّ حركة حماس تستطيع أن تستفيد من هذه الحالة المتوترة ما بين روسيا وإسرائيل، وأن تستثمر هذا الأمر وتكون على علاقة مميزة مع موسكو، لكن بالتأكيد بمباركة ودعم من دمشق بحسب رؤية رضوان قاسم باعتبارها لها حظوة كبيرة عند روسيا فهي أحد حلفائها المهمين في الشرق الأوسط، لهذا سيكون لسوريا دور فعّال في هذه المصالحة التي حصلت بين حماس وسوريا وسيكون له دور فعال في علاقات حماس والفصائل الفلسطينية مع موسكو.
§ سيكون لروسيا وحلفائها دور فعّال، وهذا ما تمثل مؤخراً عبر المساعي التركية، وتوجه عدد من العواصم العربية نحو منظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، التي تمثلت بانضمام مصر والإمارات والكويت والبحرين وقطر، إلى المنظمة بصفة «شريك الحوار»، كما حضر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخراً القمة الأخيرة لمنظمة شنغهاي في أوزبكستان، كضيف خاص في الحوار بصفته ممثلًا عن تركيا، كل هذا يكشف الأبعاد والمتغيرات السياسية في المنطقة.
§ هذه التحركات والتطورات حتماً تلقي بظلالها على تطوير وتوسيع حركة حماس من دائرة تحالفاتها وعلاقاتها في المنطقة، بل تسهم في إعادة الاصطفاف من جديد للقوى المقاومة في المنطقة وعلى رأسها حركة حماس، حيث أنّ المصالحة الأخيرة بين حماس ودمشق ما كان لها أن تتم إلا برضا روسي وإيراني في نفس الوقت.
§ وبهذا الخصوص فقد أفادت مصادر استخباراتية بأنّ الجهود التي قامت بها روسيا وإيران هي من تقف وراء المصالحة بين حماس ودمشق في 16 سبتمبر/أيلول، بعد عقد من الخلاف، وأوضحت المصادر ذاتها أنّ حماس وضعت اللمسات الأخيرة على مصالحتها مع نظام الرئيس السوري “بشار الأسد” في موسكو، ليتم الإعلان رسميًا عن الصفقة التي استغرقت شهورًا لإنجازها، كما شاركت طهران، حسب تلك المصادر، في المحادثات بين الجانبين، وشجعت دمشق على قبول اتفاق مع الحركة الحاكمة فعلياً في غزة.
§ وشكلت زيارة حماس في 10 سبتمبر/أيلول للمرة الثانية خلال أربعة أشهر إلى موسكو، بقيادة رئيس المكتب السياسي لحماس، “إسماعيل هنية”، وبدعوة من وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف”، مؤشراً واضحاً على أنّ موسكو كان لها يد في الدفع بتلك المصالحة حيث ناقشا شروط إعادة العلاقات بين الحركة ودمشق، كما التقى “هنية” السفير الإيراني “قاسم جليلي”.
§ وتعقيباً على تلك الزيارة يؤكدّ الخبير والمحلل السياسي رضوان قاسم، بأنّ السبب وراء مباركة تلك الدول هذه المصالحة لأنّهم يدركون تماماً أنّه سيكون لها إيجابيات في المنطقة وتعود بالنفع على هذه الدول، بل ستزيد من أدوارهم السياسية في منطقة الشرق الأوسط على اعتبار تأثير المتغير الدولي في الشرق الأوسط والإقليم، وهذا ما يفسر مباركة كلا من أنقرة والدوحة والقاهرة لهذه المصالحة حتى يكون لهم دور في المستقبل القريب.
§ فهذه المصالحة بحسب رؤية قاسم ستكون داعمة بشكل كبير لمحور المقاومة على وجه الخصوص، وتعدّ حركة حماس ضمن هذه المنظومة، فيها تعتبر طهران رأس حربة في دعم منظومة هذا المحور، فإن كان هناك تقارب بين سوريا وحماس هذا سيصب في مصلحة محور المقاومة وسيصب في مصلحة موسكو، لأنّها ستكون أيضاً مكان استقرار لسياسة روسيا في المنطقة وعدم انشغالها بمشاكل المنطقة، وخاصة أنّ الولايات المتحدة الأمريكية دائماً تسعى لافتعال المشاكل والحروب والأزمات في منطقة الشرق الأوسط لتشكل عقبة أمام السياسة الروسية في الإقليم.
رابعاً: خلاصة
· أي مقاربة بين الفصائل الفلسطينية وقوى ودول محور المقاومة سيكون مريح لروسيا وسيجعل تحركات موسكو السياسية أسهل بكثير، وسيكون لها فعالية أكثر لأنّها دائماً تصبّ في مواجهة واشنطن وسياساتها.
· ستشهد العلاقات بين حماس ومحور المقاومة انعكاسات مهمة على الواقع الفلسطيني، وقرار عودة حماس للساحة السورية، الذي تؤكدّ الحركة أنّ هذا القرار اتخذ بعد تقدير مصلحة الشعب الفلسطيني، ولا علاقة له بأي ضغوطات من أي طرف من الأطراف، فعند خروج حماس من الساحة السورية، كان قراراً حكيماً من قيادات الحركة وسببه ليس رغبة حماس إحداث قطيعة مع دمشق بقدر أنّ الساحة السورية لم تعد آمنة في ظل اختلاط الحابل بالنابل، وكذلك خرجت حتى لا تحسب مع طرف، لأنّ سياستها تقوم على مبدأ النأي بالنفس وعدم التدخل بشؤون الدول، لكنّ المرحلة الحالية باتت مؤاتيه لاستعادة هذه العلاقات بعد ثبت أنّ الأزمة السورية لم تكن ثورة بالمفهوم "الشعبي" بل كانت أجندات لدول وأجهزة مخابرات استفادت من مبدأ الفوضى في سوريا، وهذا ما نأت به الحركة عن نفسها التي كان لديها بغض نظر في مالات الأزمة وإلى أين ستسير .
· ستعمل المصالحة بين حماس ودمشق على تهيئة الظروف أمام الحركة لتقوية علاقاتها وتحديد اصطفافاتها مع الدول بشكل أكبرن وتحديداً مع المعسكر الشرقي وعلى رأسها روسيا، وربما في وقت لاحق الصين والهند، حيث يتشكل المصالحة تمهيداً للعلاقات مع هذا المعسكر خصوصاً في ظل مراهنة الكثير من المحللين والمراقبين السياسيين على أنّ الحرب الروسية-الأوكرانية ستطول أمدها الأمر الذي سيفتح الباب على مصراعيه أمام قيادات الحركة لتحديد موقف أكثر وضوحاً في الأيام القادمة في العلاقات مع روسيا وتطوير مستوياتها بشكل أكبر مما عليه حالياً.
قراءة سياسية في انعكاسات المصالحة بين دمشق وحماس وانعكاساتها على العلاقات مع موسكو.pdf