مطار
رامون وتحديات المستقبل
يمثل
مطار رامون حالة تحد جديدة للقيادة الفلسطينية؛ لما قد يحمله من تهديد في
مراكمة الاحتلال تفكيك معضلاته الأمنية على الحساب الفلسطيني، واستثماره لحالة
التضييق المقصود في حركة سفر المواطنين الفلسطينيين، واللامبالاة من الأطراف
العربية ذات العلاقة، مما يوجب التواصل مع تلك الأطراف المعنية في الاقليم لتحسين
واقع الميناء البري مع الأردن ومصر. |
المقدمة:
تمتلك دولة الكيان ثلاثة مطارات دولية
معترف بها من الاتحاد الدولي للنقل الجوي، ومن منظمة الطيران المدني، وهي: مطار
اللد (بن غيريون)، ومطار حيفا، ومطار رامون في النقب الجنوبي، بالقرب من أم
الرشراش (ايلات)، وكما يوجد بها أحد عشر مطاراً داخلياً، بالإضافة إلى تسع مطارات
عسكرية، وميناء فضائي واحد.
ومعظم تلك المطارات كانت موجودة بفلسطين
قبل قيام دولة الكيان، وقد تم تسليط الضوء مؤخراً على مطار رامون من قبل قوات
الاحتلال، والذي تبلغ طاقته الاستيعابية لحوالي 2 مليون مسافر سنوياً، وخطته التطويرية
ليتسع 4.2 مليون مسافر، ومع ضعف الإقبال عليه حيث سافر من خلاله حوالي 486 ألف
مسافر على مدى العام الماضي.
وبالتزامن مع زيارة بايدن للمنطقة، وإعلان
الاحتلال رزمة تسهيلات، أبرزها سماحه بالسفر لبعض الفلسطينيين من خلال شركات
سياحية، وقدر عدد المسافرين بحوالي 24 شخصية من نقابة صيادلة بيت لحم إلى قبرص
وتركيا، وهناك توجهات لدى الاحتلال بتفعيله نحو الإمارات العربية المتحدة ودول
عربية أخرى.
أولاً/
إجراءات السفر المتوقعة من خلال مطار رامون:
1- اعتماد معبر جديد في الضفة الغربية
للسفر إلى المطار.
2- اعتماد شركات معينة للحجز والسفر من
المعبر.
3- اعتماد حافلات تقل المسافرين بعيداً
عن الحالات الفردية.
4- شركة أمنية لمرافقة الحافلات بعد
إجراءات التفتيش على المعبر.
ثانياً/
استراتيجية الاحتلال لتفعيل مطار رامون:
1.
تعتبر
المطارات رمزاً سيادياً للدولة، ويبني الاحتلال أولوياته لتحقيق سيادته بتقديم
المسار الأمني على المسارات الأخرى، وقد شكل استهداف المقاومة الفلسطينية مطار
اللد (بن غيريون)، واستهداف مطار رامون في معركة سيف القدس والذي يعد تحدياً استراتيجياً.
2.
اتخذ
الاحتلال خطوة لتأمين مطار رامون كمطار بديل في حال نشوب حرب متعددة الجبهات خشية
إخراج مطاري اللد وحيفا من الخدمة أثناء المعركة.
3.
يراكم
الاحتلال خطواته بتكبيل المقاومة، وإغراقها في الاحتياجات المعيشية مواطني قطاع
غزة مع إضافة عنصر جديد في المعادلة وهو مواطني الضفة الغربية.
4.
اتخذت
المؤسسة العسكرية القرار بتشغيل مطار رامون لرحلات مضبوطة وبأعداد محدودة، في إطار
تجريبي متكيف مع الإجراءات المعتبرة، رغم معارضة سلاح جو الاحتلال.
5.
تمت
الخطوة بعد استشارة رئيس بلدية (ايلات) وجهات معتبرة بمنطقة النقب الجنوبي، وذلك
لتعزيز حالة الأمن لدى جمهوره الصهيوني.
6.
سعى
الاحتلال لاستغلال واقع أزمة الفلسطيني في عملية السفر، وسوء المعاملة الأردنية
والمصرية التي تمارس على المسافر الفلسطيني، فكأنه ذهب إلى ظهوره بمراعاة الجانب
الإنساني والحرص على المواطن الفلسطيني لتحقيق نقطة أمام الرأي العام.
7.
يعتبر
الكيان أن الخطوة جاءت لاستكمال إنهاء وتصفية مشروع حل الدولتين، وأي مظهر يمكن أن
يشكل صورة سيادية للشعب الفلسطيني.
8.
يعمل
الاحتلال على تفكيك المعضلة الداخلية المتعلقة بسكان النقب من العرب، والعمل على ازالة
المهدد القائم فيها (التمدد العمراني العربي).
9. الحديث عن الفشل الاقتصادي للمطار هو
جزء من الحالة الاستهلاكية للجمهور لتبرير خطوات الجيش سماحه للفلسطينيين من
استخدام المطار، وإن كان جزءاً من مبادرته تلك لتشجيع اقتصاد الكيان في منطقة
النقب، واحتواء اقتصادي لفلسطينيي النقب.
10. يسعى الاحتلال لوضع رؤية مستدامة لتطوير
عملية السفر بمعبر رسمي جديد، بالإضافة لتعزيز العلاقة مع شركات السياحة لديه، والتواجد
لشركات تأمين المسافرين الأمنية خلال تنقلهم من محافظتي الخليل وبيت لحم من وإلى مطار
رامون، ويمكن أن يتم توسيع ذلك ليشمل قطاع غزة.
ثالثاُ/
مطار رامون والموقف الفلسطيني:
1. السلطة الفلسطينية
·
قد
تم إبلاغ الجانب الفلسطيني بالخطوة الإسرائيلية خلال الاجتماع الذي عقد بين رئيس
السلطة أبو مازن بوزير الدفاع الصهيوني غانتس في شهر يوليو من العام الحالي، والتي
اعتبرت رشوة سياسية في مقابل إيقاف توجهه نحو الجنائية الدولية.
·
التصريحات
الفلسطينية سواء من رئيس وزراء السلطة محمد اشتية أو الناطق الرسمي باسم وزارة
النقل الفلسطينية لا ترقى لاعتباره مهدداً حقيقياً للسلطة الفلسطينية وسيادتها، بقدر
ما هي تصريحات استهلاكية.
·
واقع
السلطة لا ينبئ بتحرك حقيقي لمنع الأمر فلسطينياً وذلك للارتباط الوظيفي لها مع
دولة الكيان، وطبيعة الاتفاقات الأمنية معه، والتي لا تتعاطى مع الحقوق السياسية.
2. المقاومة الفلسطينية
·
تسعى
المقاومة الفلسطينية بما أمكن من أدوات الدفاع عن الإنسان والأرض على حد سواء
باعتبارهما المكون الأساس في القضية الفلسطينية، وما يترتب على ذلك من تسخير إمكاناتها
بما يحقق حياة ممكنة لشعب يرزح تحت الاحتلال.
·
القرار
الصهيوني بتفعيل مطار رامون يضع المقاومة الفلسطينية في تحد بما يحاوله الاحتلال
من فرض وقائع على الأرض؛ هذا ما يجعل التعاطي مع تلك التوجهات محط تفكير عميق؛
لفهم أهداف هذا التوجه، وما يترتب عليه من مخاطر، وتهديدات محتملة.
·
إن
ما شكله التقدم التكتيكي في مدايات الرماية الصاروخية الذي أحرزته المقاومة،
وبالتحديد كتائب القسام باستهدافها لمطار رامون في معركة سيف القدس فقد بات تحدي
صارخ للاحتلال، ساهم في التفكير الصهيوني لتحييد المطار من أي ضربات محتملة
للمقاومة الفلسطينية.
·
الحمل
الثقيل الملقى على كاهل المقاومة الفلسطينية، ومنظومتها الحاكمة في غزة، تحت واقع
الحصار الخانق، ولا سيما التضييق الممارس من الجانب (المصري، الأردني) على حركة
سفر المواطنين، يوجب الاستفادة ما أمكن من هذا الإجراء الصهيوني.
·
الفهم
العميق لدى المقاومة بأن المسئولية الأولى عن خدمات الجمهور الفلسطيني، وظروفهم
المعيشية مسؤولية الاحتلال الذي يجب أن تبقى على كاهله، وهذا ما يخفف عن كاهل
المقاومة من أحمال في مسيرة التحرير الواجبة، دون أي تنصل من مسؤولياتها.
·
لا
بد من التكييف المعتبر بين الاحتياج الشعبي وتطلعات المقاومة الفلسطينية وضروراتها
بما يخلق انسجام وتكامل وفق توازن بينهما.
3. الجمهور الفلسطيني
· ينقسم الجمهور الفلسطيني إلى قسمين،
أحدهما ينتمي للمقاومة الفلسطينية، وعليه تبعات ذلك الانتماء، منها صعوبة السفر
والتنقل، وخصوصاً من قطاع غزة، وبقائه رهينة الإجراءات المصرية. والآخر المواطن الذي لا ينتمي للمقاومة بشكل
مباشر، وهذا يستطيع السفر من المعابر بدون أي مانع، ولا يحجب من أي منحة؛ فلا يكترث
للمخاطر التي تمارس من قبل الاحتلال.
· عدم الاكتراث لدى جمهور الشعب الفلسطيني
من استخدام المطارات الصهيونية يرجع لعدة أسباب لعل أهما:
1- مسؤولية الاحتلال المدنية كسلطة أمر
واقع مفروض بالقوة الجبرية.
2- سفر قيادات السلطة من مطارات الاحتلال.
3- حالة التضييق الممارس على المواطن
العادي من قبل النظام الأردني والمصري على حد سواء، دون غيرهم من المسؤولين الذين
يتنقلون بتنسيقات عالية.
4- تنصل
قيادة السلطة من مسؤولياتها تيسير حركة المسافرين وتحسين ظروف السفر.
5- غياب الجدية في طرح المطالبات بضرورة مطار
فلسطيني في غزة أو الضفة، وميناء بحري في غزة.
ثالثاً:/
الموقف الأردني من مطار رامون:
·
تدارس
النظام الاردني والاحتلال في عام 2009 مشروع بناء مطار مشترك بينهما لكن حال دون
تنفيذه معارضة رئيس بلدية (ايلات) والمستوطنين هناك.
·
ذهب
الاحتلال بصورة أحادية تنفيذ مشروع بناء ميناء رامون الجوي في عام 2011، بالرغم من
اعتراض النظام الأردني باعتبار انشائه يتعارض مع الشروط الدولية لإنشاء المطارات.
·
الاعتراض الأردني لم يتجاوز غير الاحتجاج الكلامي
فقط، فقرار العدو الصهيوني تأسيس المطار عام 2011، وبدأ العمل عام 2013، وجاء الاعتراض
الأردني بعد عامين من الانتهاء من الإنشاء عام 2015 من خلال وزيرة النقل الأردني،
ولكن في عام 2018 صرح مدير هيئة تنظيم الطيران الأردني بأن مطار رامون لا يشكل خطراً
على الأردن.
·
واضح
التخوف الأردني من أي إجراءات معارضة للكيان خشية أن تمس عمليات التصدير الأردنية
المتاحة لأوروبا، والعالم الخارجي عبر ميناء حيفا.
·
مؤشرات
القبول الأردني بالمطار واضحة، ومبنى ذلك قائم على أمل إنجاز صفقة قناة البحرين،
والتي تعتبر بديلاً حيوياً للأردن عن استخدام ميناء حيفا للتصدير، بالإضافة أنه
سيكون ممر مائي معتبر من البحر الميت حتى العقبة في البحر الأحمر، فيزيد من الإطلالة
البحرية للأردن على البحر الأحمر، والاستفادة في زيادة كمية مياه الشرب والكهرباء،
في ظل التوافق مع الكيان حول تنامي المهددات الإيرانية من منظورهم.
·
العلاقة
بين الاحتلال والأردن استراتيجية، فهي مبنية على التنسيق والتعاون الأمني
والاستخباري بينهما، معلوم أن الأردن تمتلك أطول حدود مع فلسطين المحتلة، وأن المشاريع
المشتركة كبيرة، ولعل أبرزها مكافحة (الإرهاب)، والتطوير الاقتصادي في منطقة البحر
الميت، ومشروع امدادات الغاز.
·
منشأ
حالة القلق الأردني من الشركات والمجتمع المدني مبررة حيث إن السوق الفلسطيني يمثل
50% من إيرادات الشركات السياحية، وحركة المال والأعمال الأردنية، بالإضافة لحركة
السفر الفلسطينية المقدرة عام 2022 حسب الإحصاءات الرسمية لمطار علياء الدولي
المقدرة بحوالي مليون مسافر فلسطيني.
خامساً/
التحديات والفرص لاستثمار الخطوة:
ü يمكن اعتبار وجود المطار وتفعيله فرصة للتخفيف عن كاهل الفلسطيني، ولكن تحدي معتبر للمقاومة الفلسطينية؛ لما قد يحمله من مهددات ومخاطر، قد تزيد من وتيرة السياسة الصهي